أعمدة رئيسية
منذ بداية التغيير في العراق عام 2003 عملت دائرة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية / البرنامج الانمائي للأمم المتحدة مشاريع كثيرة لبرامج تنموية في عدة مجالات ومنها برامج لتثبيت مبدأ الديمقراطية في العراق عن طريق التوعية والتثقيف في هذا المجال، من اجل اتساع الممارسات الديمقراطية في كافة مسالك الدولة، وخاصة في عملية الحوكمة والادارة العامة، إضافة الى برنامج انفاذ حكم القانون وسيادته، مرورا بالالتزام بالدستور وايجاد قاعدة للعدالة الاجتماعية والجنائية في البلد.
وكذلك أقامت الأمم المتحدة / البرنامج الانمائي لقاءات ومؤتمرات لبناء منبر وطني لاعادة الثقة بالحكومة العراقية عن طريق تعريف المؤسسات الرسمية وغير الرسمية / منظمات المجتمع المدني / بأدوات إعادة الثقة والمذكور قسم منها أعلاه، إضافة الى كيفية تنمية وتطوير الخدمة العامة، وكيفية تقـوية مشاركة المواطن ومؤسسات المجتمع المدني في آليات الحكم واتخاذ القرارات، انطلاقا من القواعد الدستورية، ومن ثم تفعيل وتنشيط مبدأ المحاسبة والمساءلة وآليات هذا المبدأ وإجراءات المساءلة التي تتخذ عن طريق الأجهزة الرقابية، سواء كانت هذه الأجهزة داخلية كأجهزة التدقيق في الوزارات ومكاتب المفتشين العموميين فيها، أو رقابة خارجية كرقابة هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية، على ان لا ننسى دور الادعاء العام في العراق الممثل الأعلى للمشروعية وصاحب الخطوة الأولى في الدفاع عن الحق العام ومساءلة كل من يسمح لنفسه هـدر المال العام بجميع أشكاله والافساد فيه.
إضافة الى هذا وذاك فقد اهتمت البرامج بعملية التدريب والتطوير المستمر للرفع من مستوى الأداء الحكومي والمؤسساتي في العراق عن طريق إعادة تأهيل وتربية الكوادر البشرية، والاهتمام بالتقنيات الحديثة واكتساب الخبرات والمهارات من المستويات المحلية والاقليمية والعالمية، كما كانت هناك برامج تخص تقوية باب المعلوماتية وايجاد تراكم حقيقي للمعلومات عن طريق وضع خطط وبرامج احصائية تعتمد الطرق العلمية الحديثة بالاحصاء والتي على أساسها تتم عملية التقييم للإجراءات ونتائج الأداء، وصولا لمعرفة الإيجابي من النتائج والسلبي منها، والعمل على تركيز الايجابي وايجاد الحلول للسلبيات إنهاء او تخفيفا لآثارها.
والعجيب الغريب هنا ان الحكومة العراقية لم تستفد من كل تلك المؤتمرات والتدريبات واللقاءات التي صرفت عليها الأمم المتحدة ملايين الدولارات، ولم تحاول، ولو لمرة واحدة، إعادة النظر في الكثير من إجراءاتها الإدارية او إعادة هيكلية مؤسساتها، على الرغم من عدم حدوث اية ايجابيات في مسيرة الحكومة في السنوات المنصرمة! لا بل أصرت على بقاء الحال كما هو عليه، ما أدى الى تدهور الحالة الإدارية وانتشار أكبر لحالة الفساد الإداري والمالي وزيادة عمق التعامل البيروقراطي فيما بين مؤسسات ودوائر القطاع العام. أضف الى كل ما تقدم ازديادا واضحا في حجم الجريمة المنظمة في البلد من الخطف والقتل على الهوية والتمرد على النظام وتهريب الأموال للخارج وكثرة عمليات غسيل الأموال وانتشار الدعايات المشوشة لأذهان الناس، ما زاد في الطين بلة وأدى ليس فقط الى ضعف الثقة بالحكومة وإنما الى فقدانها ووجود الحالة المأساوية التي تمر بعراقنا الجريح الآن.
والأكثر غرابة قام المتحدث الإعلامي لمجلس الوزراء في حينها بالاتصال بالسادة المدعوين للحضور والمشاركة في مؤتمر فينا لإعادة الثقة بالحكومة بتاريخ 26-29 حزيران 2007، والكاتب من ضمنهم، قائلا وطالبا منا عدم حضور هذا المؤتمر كون الثقة بالحكومة العراقية جاءت وتجيء من صندوق الاقتراع وليس من برامج الأمم المتحدة، متناسيا ان صندوق الاقتراع نفسه ممكن ان يصاب بحمى الفساد.