رأي
نتباكى نحن العرب والمسلمون مئات القرون، ونكتب بعبرات خانقة وغصة كبيرة جدا عما فعله التتار والمغول في بغداد وبقية المدن الإسلامية. من منا لم يقرأ او يطّلع على ما ذكره المؤرخون عن نكبة احراق مكتبة بغداد الشهيرة اثر سقوط بغداد على يد المغول عام 1258 للميلاد، حيث أحرقت أعداد هائلة من الكتب ورمي ما تبقى منها في نهر دجلة، حتى قيل إن لونه أصبح أزرق من كثرة الكتب التي ألقيت فيه. وبغض النظر عن دقة ما نقل او الجدل المثار حول بعض تفاصيل تلك الوقائع التاريخية المؤلمة فان مجرد اليقين بجزء من التوصيف الذي حصل آنذاك كفيل بهذه الغصة.
ولكن عما فعله داعش في الموصل ترى ماذا سيكتب التاريخ؟! وهل ثمة حاجة للكتابة عما وقع، فالدواعش ومن ورائهم وثقوا بالصوت والصورة أفعالهم الدموية والعبثية ضد البشر والحجر! بعد عشرات او مئات السنين كيف سيقرؤنا من يأتون بعدنا؟! نحن الذين لم نسهم ولو بجزء يسير من عظمة ما صنعه الأجداد، بل فشلنا حتى في الحفاظ على ما تبقّى من أثر لهم! أي خيبة تنتابنا وتنتاب الأجيال التي تخلفنا، أي غصة تحدثها معاول تلك الطفيليات التي حملت كل قاذورات الكون وتسلقت منجزات الحضارة الآشورية لتحيلها الى ركام.
عبث التنظيم على مدار الأشهر السابقة بجميع المواقع الأثرية التي استحوذ عليها، تاجر بما خف وزنه وغلا ثمنه، وحينما حاصرته الأسرة الدولية قبل أسابيع بقرار مجلس الأمن المرقم 2199 الذي يقضي بتجريم كل أشكال التعاطي التجاري مع داعش، وخصوصا على صعيد المتاجرة بالإرث الثقافي والتاريخي، فان التنظيم أقدم على هذه الخطوة الانتقامية من جهة، ومن جهة أخرى هي تمثل دعاية جديدة بين أتباع التنظيم من الأدمغة المفخخة تظهره بمصداقية أكبر من حيث المحافظة على الإرث المتطرف المعروف عن جذور التنظيم، وخصوصا تنظيم القاعدة، إرث يتعاطى مع الآثار التاريخية من زاوية كونها أصناما فحسب، ورجسا من عمل الشيطان لا يكتفى باجتنابه فقط بل يجب محاربته بكل الأشكال.
معظم مدن العراق متاحف آثارية مفتوحة أمام الجميع، والموصل ليست استثناء من تلك القاعدة، وحينما سقطت الموصل بيد التنظيم الإرهابي بدأ بتهديم الأضرحة والمراقد المقدسة والتاريخية، هدم سور الموصل التاريخي العريق، أحرق الكتب والمخطوطات الثمينة، ثم ختمها أخيرا بحملة تهديم بعض المواقع الآثارية في المدينة، وآثار متحف الموصل المؤسس عام 1951.