ثقافة الإعتذار

تتمتع المجتمعات المتحضرة بأنساق سلوكية راسخة يتمثل بعضها بثقافة الإعتذار اي الإعتذار عن الخطأ الذي يحدث جراء عدم التنسيق او الخطأ غير المقصود.

هذه المجتمعات خلاف مجتمعاتنا، تبتعد عن الخطأ المقصود بسبب رسوخ القانون ليس بصفته العقابية او الردعية، وانما القوانين والأعراف التي تنظم الحريات والحقوق دون تجاوز على الآخر، وتلك العلامة الفارقة للمجتمعات الحضارية المستقرة مجتمعيا، والمنتجة للمزيد من القيم التي تثري حياتهم بما هو نافع وممتع وراق.

ثقافة الإعتذار واحدة من تلك السلوكيات التي تمتد من الوسط السياسي والثقافي العام الى أبسط انماط السلوك اليومي للناس، والأعتذار لا يعطي ثقة بالنفس للمعتذر عن الخطأ وحسب، وإنما يعزز الاحترام له ويعطي قوة للسلوكيات والمفاهيم الصحيحة بالحياة بهدف ترسيخها كواحدة من صفات اشتغال الضمير وابعاده عن العطب او الشلل، وهو ما يجعل الفرد وحدة انتاج سلوكي تمنح بمجموعها البنية الأخلاقية ملامح السلامة النفسية والثقة بالنفس والآخر، وهذا الأمر يعمق بدوره ثقافة المواطنة التي تشكو مجتمعاتنا من غيابها، في ظل ثقافات فرعية تتشرذم بإنتماءات طائفية وعنصرية وأثينية متعصبة ومتكلسة على روح عدائية للآخر المختلف.

ثقافة الإعتذار تدعو الى رؤية متعمقة في أكتشاف الذات والآخر على حد سواء، وهو ما يشكل حقيقة الثقافة الذاتية او الحسية ويصنع قدرا من السعادة الروحية.

مجتمعاتنا العربية لم تتعرف على ثقافة الأعتذار، والغالبية تجد في الإعتذار نقصا لشجاعتهم او كبريائهم مع يقين معرفتهم بالأخطاء التي يرتكبونها بحق انفسهم والاخرين، سيما وأن القسم الأكبر من هذه الأخطاء لم تنتج جراء سلوك عفوي، بل ترتكب بقصدية النفعية الفردية، في سلوك أناني صارخ، يكرس المزيد من سلوك العداء واجواء الكراهية مع اقصاء مفاهيم الحق والعدالة والجمال.

يعكس سلوك الحكومة العراقية الحالية صورة جلية لإنعدام ثقافة الإعتذار بعد سنوات من هدر المال العام وصفقات الفساد وجرائم العنف والإرهاب التي تفتك بالشعب وتذبحه يوميا، صور تترادف عن الإنهيار والأزمات التي تمزق الوطن دون ان يطل المسؤول عنها ليعتذر في محاولة لتخفيف الألم عن ذوي الضحايا والمجتمع بنحو عام.

لا أحد يعتذر في مجتمع تتحرك طوائفه ومكوناته بدوافع الهيمنة والإستحواذ على حساب الآخر، وتبيح المحظور وتحلل المحرم ولا تقيم أهمية لنداء المقدس او الأعراف التي تحظى بمنزلة القدسية.

السياسي السلطوي اصبح أنموذجا في العري الأخلاقي والإبتعاد عن ثقافة الإعتذار للشعب الذي ابتلي بشراهته وأنانيته وفساده وأكاذيبه التي اعطتنا مجتمعا متخلفا يشكو من تشويه ثقافي وديني واخلاقي.

Falah.almashal@yahoo.com

إقرأ أيضا