ان الملفات الثقيلة التي تضرب اطناب وزارة الخارجية المتعلقة بالفساد تتناول جانبين أساسيين يتعلق الأول بالفساد المستشري في بعثات العراق الدبلوماسية في الخارج، في حين يتعلق الجانب الثاني بأوجه الفساد الكبير في ديوان الوزارة في بغداد، وسأتناول العناوين الرئيسية، ولتوضيح الواضحات للاتهامات المبسوطة في الساحة لأبرز صور الفساد في الوزارة، والتي تعد من أشكل المشكلات، لاسيما ان المشكلة لا تتوقف عند الضغوط الخارجية التي أدت إلى تعيين كادر دبلوماسي غير كفوء فحسب، بل في كادر دبلوماسي متهم بالفساد من كل صوب وحدب، وسنوجز هذه العناوين في عجالة مفادها:
أولا- التعيين في السلك الدبلوماسي دون المشاركة في دورات المعهد الدبلوماسي، حيث صدرت اوامر وزارية بتعيين الكثير من المقربين والاكثر حظاً بصفة دبلوماسية وبدرجات عالية كسكرتير اول او مستشار او وزير مفوض دون الاشتراك في دورات المعهد الدبلوماسي ودون الاخذ بنظر الاعتبار بمدد الخدمة الوظيفية بل لم يسبق للبعض منهم العمل في وزارة الخارجية اصلاً، وكثير منهم مقيمين في الخارج دون العودة الى الوطن، ودون العمل في مركز الوزارة ودون الاشتراك في دورات المعهد الدبلوماسي.
ثانيا- تعيين ابناء المسؤولين وبعض الموظفين وفق مبدأ التوريث في الوزارة، ثم نقلهم الى السفارات خارج الضوابط، وبعضهم لم تمضي على عمله في مركز الوزارة أشهر، حتى بات الاب يعمل في سفارة والابن يعمل في سفارة أخرى، والكل تستلم بالدولار.
ثالثا- تعيين الزوجات ونقلهن خارج الضوابط، حيث ان قانون الخدمة الخارجية يقضى على الزوجة ان تلتحق مصاحبة لزوجها عند نقلة للعمل في الخارج، وكذلك الزوج ان يلتحق مصاحب لزوجته عندما تنقل الزوجة للعمل في احدى السفارات؛ الا ان البدعة الجديدة هي نقل الزوجة الى سفارة والزوج الى سفارة اخرى.
رابعا- إعادة التعيين والقفز بالعناوين الوظيفة خارج أطار المدد القانونية المنصوص عليها في قانون الخدمة الخارجية رقم 45 لسنة 2008وكذلك خارج ضوابط نظام الخدمة الخارجية المرقم (1) الصادر في 03/01/2010 والمنشور في الوقائع العراقية بالعدد: 4148، والتي تسمى من الناحية القانونية بحرق المراحل؛ اي ان يعين موظف بدرجة ملحق او سكرتير ثالث وبعد أشهر يرقى الى سكرتير ثاني او اول دون مراعات المدة القانونية للترقية وغالباً ما تتم هذه العملية جزافاً حسب العلاقات، وتم إيجاد درجة (مدير عام) وهي درجة لا توجد في قانون الخدمة الخارجية.
خامسا- أكثر تعيينات وكلاء وزارة الخارجية لم تكن على أساس الكفاءة المهنية والقدرة على إدارة شؤون الوزارة، وانما اعتمد في تعيينهم على اساس الوساطات وانتماءاتهم الحزبية، وهي بالمجمل تخالف روح واهداف قانون وزارة الخارجية رقم (36) لسنة 2013.
سادسا- معهد الخدمة الخارجية:
حدد قانون ونظام وزارة الخارجية ضوابط لغرض تغير عنوان الموظف من السلك الاداري الى السلك الدبلوماسي، واول تلك الضوابط اجتياز دورة معهد الخدمة الخارجية، وقانون الخدمة الخارجية حدد مجموعة من الدراسات الانسانية التي لها علاقة بالأمور السياسية لغرض التعيين في الوزارة كخرجين العلوم السياسية والقانون واللغات والادارة والاقتصاد وعلم الاجتماع السياسي وغيرها وبشرط ان يكون الخريج من جامعة معترف بها، الا ان هناك المئات من خرجين المدارس الدينية الغير معترف بها قد تم تعينهم خلافاً لضوابط الاختصاص المشار اليها في أعلاه، وعلى حساب اصحاب الشهادات التي حددها القانون لغرض العمل في وزارة الخارجية؛ اما مدد الدراسة في المعهد، فقد حدد القانون والنظام مدة الدورات في المعهد المذكور سنتان تقويمية الاولى دراسية والثانية تدريبية؛ لكن الذي حدث، انه تم اسقاط هذه المعايير والمدد واصبحت حسب اهواء ووساطات الطلاب كأن يتخرج الطلبة في ستة أشهر ودورة اخرى اربعة اشهر، اما اذا احتوت الدورة على ابناء مسؤولين في الدولة او في الوزارة فإنها لا تزيد عن شهر او ثلاثة اشهر لكي يتم نقلهم للسفارات بعناوين دبلوماسية دون مراعات للمدد القانونية.
سابعا- ترشيح مستشارين يعملون بعقود لمنصب سفير، في حين ان قانون الخدمة الخارجية رقم 45 لسنة 2008 نص على ان الترشيح من الوزارة يكون لمن هم في اقل تقدير درجة (مستشار) ويقصد درجة مستشار دبلوماسي وهي من درجات السلك الدبلوماسي وتأتي بعدها درجة وزير مفوض، وتم رفض قائمة الترشيحات من مجلس الوزراء أثر اعتراض لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية.
ثامنا- تزوير الشهادات:
أن وزارة الخارجية وجدت أن اكثر من 150 دبلوماسياً وموظفاً من كوادرها متورطون في جرائم تزوير شهاداتهم، والحادثة المشهورة التي تم نشرها في الاعلام والتي تتعلق بممثل العراق الدائم لدى الامم المتحدة في نيويورك السفير حامد البياتي، الذي قيل ((أنه زور شهادته العليا زاعماً أنه خريج احدى الجامعات البريطانية ولدى افتضاح أمره بعث برسالة إلى الوزير زيباري اعترف فيها بعملية التزوير إلا أنه برر ذلك بقوله أنه عمد إلى تزوير شهادته كي لا يسخر منه رجال النظام السابق “وكي لا يقال بأن سفراء العهد الجديد لا يحملون شهادات عليا، ولكي يعطي برستيج لمكانته بين اقرأنه في الامم المتحدة وبالتالي حتما سينعكس ذلك على مكانة وهيبة البعثة العراقية)) والاغرب من ذلك بدلا من ان تتخذ الوزارة اجراء رادع بحقة اكتفت بحفظ الموضوع متناسية ان التزوير جريمة يعاقب عليها القانون في الوقت الذي تم تحديد راتبة ودرجته الوظيفية كسفير بموجب هذه الشهادة المزورة.
تاسعا-الجنسيات المزدوجة:
هناك سفراء لديهم جنسيات مزدوجة خلاف ما ورد في نصوص في الدستور العراقي (م18) الذي يطبق دائما بصورة انتقائية، حيث تقضي تلك النصوص بعدم السماح لمزدوجي الجنسية تولي مناصب سيادية في الدولة العراقية، وإذا لم يكن السفير منصب سيادي فما هو المنصب السيادي؟.
عاشرا-الجواز الدبلوماسي العراقي فاقد لهيبته لكثرة اعداد الممنوحين جواز دبلوماسي؛ حيث وصلت الاعداد الى أكثر من عشرين ألف جواز دبلوماسي عدى جوازات الخدمة؛ بفضل القانون الذي سنه البرلمان بمنح عوائل البرلمانيين والمسؤولين جوازات دبلوماسية، وبات الجواز الدبلوماسي يمنح للشخص وليس للوظيفة كما هو متعارف عليه عالميا، فأصبحت قيمة الجواز الدبلوماسي العراقي ضعيفة ومتدنية.
احدى عشر-الإيفادات الانتقائية والجزافية فهي فعلى كثرتها الا انها قاصرة على مجموعة معينة، وحسب الانتماءات لأحزاب السلطة.
اثنا عشر-التمديد في العمل في البعثات خارج العراق، ليس مهني ويدور حول الحصول على عمولات كبيرة وعلى نسبة الاعفاء الضريبي للدبلوماسيين، التي تصل الى مبالغ كبيرة.
ثلاثة عشر-الشقق المستأجرة من وزارة الخارجية لموظفيها في محيط مبنى وزارة الخارجية في بغداد تصل بدلات ايجارها الى حوالي الفين وخمسمائة دولار شهريا تدفعها الوزارة، لكنها تخصص للموظفين المقربين من قيادات في وزارة الخارجية.
اربعة عشر-استمرار سياسة غلق ملفات الفساد المالي والاخلاقي والتغاضي عمدا عن انعدام الكفاءة لكثير من السفراء المرشحين من أحزاب السلطة.
خمسة عشر-أجور الدراسة وتعلم اللغة الأجنبية؛ تجري بحماسة فائقة لأشخاص مقربين وتحبو لأخرين.
ستة عشر-هناك ترهل اداري كبير يرهق كاهل الميزانية العراقية، حيث تم نقل موظفين اداريين وموظفي خدمات ومهندسين واختصاص حاسبات وعاملي بدالة ومنظفين وسواق وعاملي نجارة الى السفارات العراقية، مع العلم ان السفارات يشغلها فقط دبلوماسيين واداري واحد او اثنين وبإعداد محدودة، عدا الدول العظمى (امريكا، روسيا، الصين، فرنسا) وقد تفوقنا على هذه الدول، وأصبح طاقم سفاراتنا مترهل بطريقة مخيفة بسبب وهذا مرده الفساد والمحسوبية وسوء الإدارة.
سبعة عشر-هناك هدر للأموال العامة بإعطاء امتيازات خيالية وغير مبررة للسفراء في الخارج ووجود اعداد خرافية من الموظفين المحليين برواتب فلكية.
ثمانية عشر-هناك اتهامات للجنة مناقشة الدراسات التي يقدمها كبار الدبلوماسيين العراقيين لأجل الترقية، والتي باتت تعترض على أية دراسة تمس بالمصالح الإيرانية، وتداول الاعلام خبرا مفاده، تم الاعتراض على تسمية “الخليج العربي” التي وردت في بحث قدمه أحد الدبلوماسيين من أجل الترقية معتبرا أن المصطلح العلمي يجب أن يكون “الخليج الفارسي”.
وأخيرا نتمنى ان تبقى هذه الصور مجرد اتهامات ليس لها أدنى ما يزكيها من الوجهة القانونية او يصدقها من الوجهة الوظيفية.