صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

أتركوا القضاء.. لاهله

  من الغريب جداً، أن يطالب مسؤولون عن بعض المؤسسات الرقابية بانشاء جهاز قضائي يرتبط بهم، في محاولة قد تفسّر لرمي الكرة في ساحة القضاة والتخلص من المسؤولية الاخلاقية، أو الاعتراف بالتقصير في اداء الواجب، كما أنه سعيٌ لخلط الاوراق

 

من الغريب جداً، أن يطالب مسؤولون عن بعض المؤسسات الرقابية بانشاء جهاز قضائي يرتبط بهم، في محاولة قد تفسّر لرمي الكرة في ساحة القضاة والتخلص من المسؤولية الاخلاقية، أو الاعتراف بالتقصير في اداء الواجب، كما أنه سعيٌ لخلط الاوراق.

 

من الظواهر السلبية بعد العام 2003، تعدّد الجهات الرقابية، فقد كان العراق يعتمد بالدرجة الاساس على ديوان الرقابة المالية في رصد المخالفات، وثم جاءت مكاتب المفتشين العموميين وهيئة النزاهة. وأمام هذا التزايد في الجهات التي استحدثت لتكون مسؤولة عن الحفاظ على اموال الشعب، اخذ الفساد ينتشر مع عدم وجود جهة مركزية تقوم بعملية تتبع الاخطاء ذات الطابع المالي.

 

لو أن صحفياً وجّه سؤالاً إلى اي متخصّص في مجال القانون أو المالية عن كيفية التخلص من الفساد، لأجاب مباشرة أن الحل يبدأ بعدد من المراحل اهمها الغاء هيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين وتحويل طواقمها الوظيفية على ديوان الرقابة المالية، ذلك الجهاز العراقي الرائد الذي هو بحاجة إلى دعم لكي ينجح في اداء مهامه.

 

من يطالب بأن يلتحق به جهاز قضائي، يبدو أنه بعيد كل البعد عن الدستور الذي عدّ القضاء سلطة من سلطات العراق الثلاث إلى جانب التشريعية والتنفيذية، بموجب المادة (87)، من الدستور. أما الجهات الرقابية فهي تكون على شكل مؤسسة مستقلة تنشأ بموجب قانون، وتلغى بقانون ايضاً، وهو ما جاء في الباب الرابع من الدستور. لا يمكن أن نأخذ هذه المطالب على أنها تعبّر عن وجهة نظر شخصية، بل هي امتداد لعدد من الخطوات التي يحاول البعض اتخاذها للعودة إلى الوراء وربط القضاء بالسلطة التنفيذية. البعض يتحدّث عن محاولات ممنهجة لتهيئة الرأي العام بأن يعود القضاء جزءاً من المنظومة الحكومية بدأت بتشريع قوانين لا تتلاءم مع العمل في المحاكم ومن ثم السعي لجعل القضاة يعملون موظفين لدى جهات تنفيذية، وفي ذلك تجاوز على سمو القضاء، وتجاوز على طبيعة مهامه التي من أولى متطلباته الاستقلال عن بقية السلطات والتعاون بنفس الوقت لتنفيذ كل سلطة مهامها المحدّدة في الدستور وببقية التشريعات. فلا يوجد هناك تفسير اخر لجعل القضاء مهيأ وتحت سطوة وقرار جهة تحقيقية لم تفلح في تقديم الكثير خلال السنوات الماضية، سوى مساعي لضرب طبيعة النظام الديمقراطي في العراق.

 

طوال السنوات الماضية، لم تستطع هيئة النزاهة احالة الملفات المهمة على القضاء المتخصص بالنزاهة، فقد اقتصر الامر على صغار الموظفين، فهل جرى تقديم ملفات تخص الوزراء والمسؤولين الكبار وعجز القضاء عن حسمها بل العكس اصدر احكامه بحقهم لكنها لم تنفذ لهروبهم وعدم قيام السلطات بمحاسبتهم. وهو سؤال اخر أطرحه أمام السادة المسؤولين عن الهيئة المستقلة لكي يجبوا عليه صراحة امام الرأي العام، أضافة إلى أن عليهم ايضاح دورهم بخصوص القبض على من صدرت عليهم احكام قضائية من محكمة جنايات النزاهة كوزير التجارة الاسبق عبد الفلاح السوداني، ووزير الكهرباء الاسبق ايهم السامرائي ومسؤولين اخرين. وتشير الوقائع أن الهيئة لم تستطع من جمع الادلة عن الجرائم المالية الكبيرة، برغم أنها المؤسسة المسؤولة عن ذلك من خلال استخدام التقنيات الحديثة في التحقيق. حيث أن كبار الفاسدين، كان مثولهم أمام القضاء نتيجة اتهامات شفوية بالفساد، بعد أن عجزت الهيئة عن ايجاد ادلة تدينهم بما نسب اليهم.

إقرأ أيضا