يمر التمثيل الإيزيدي على الساحتين العراقية والكردية بأزمة حقيقية ومتفاقمة، وكونها أزمة مقيمة وليست بالجديدة، فلابد من الوقوف على مضامينها وأسبابها ليكون ذلك مدخلا لمعالجتها.
إن ممثلي الايزيديين لم يلبوا أبسط طموحات الشارع الايزيدي الذي عانى طوال عقود، ولم يكونوا سوى أدوات بيد الأحزاب التي رشحتهم وكلها كوردية لا علاقة لها بهموم وتطلعات الايزيديين، حيث تحكمت (تلك الأحزاب) بهم كيفما شاءت، الأمر الذي جعل منهم سببا لادخال المجتمع الايزيدي بمشاكل هو في غنى عنها، فقد قاموا بنقل ثقافة خاطئة عن مجتمعاتهم بسبب حملهم لثقافة أحزابهم.
خذ مثالا على ذلك، فيان دخيل النائبة الكوردية التي تدعي تمثيل أتباع الديانة العراقية القديمة، حيث تقول مؤخرا بشأن الاستفتاء الذي دعا اليه رئيس إقليم كوردستان مسعود بارزاني، إن “الايزيديين مع الاستفتاء!!”، وهذا الأمر غير صحيح، وحتى إن وجد بعض المؤيدين منهم لهذا التوجه، فانهم لا يشكلون ظاهرة داخل المكون الأصيل، لأن هؤلاء القلية القليلة هم ممن يرتبطون بمصالح سياسية معروفة، غير أن الأغلبية المشغولة بأمور الهجرة الى أميركا وأوروبا غير معنية بهذا الأمر، بل انها مع بقاء المناطق الايزيدية ضمن الدولة العراقية، ولكن بإدارة وحماية إيزيدية عراقية أو دولية.
المحزن في الأمر أن الايزيديين كانوا ولا زالوا وقودا لما يسمى بحلم الدولة الكردية المزعومة، وهنا لابد من إيضاح نقطة مهمة، وهي أن الايزيديين ليسوا ضد أي حق لتقرير المصير فيما يخص اقليم كوردستان، لكنهم على يقين تام بان الدولة الحلم بالنسبة لبعض الأكراد، لن تضمن ابسط حق من حقوقهم، خذ مثلا ما جرى على الايزيديين من إبادة على يد تنظيم داعش الارهابي، نرى الحزب الكوردي الحاكم في أربيل كيف سعى لتحويل الإبادة الايزيدية إلى إبادة كوردية، ولكنه حين فشل في ذلك، قام بإتلاف الأدلة على وجود الابادة بشكل متعمد، حسب اعتراف حسين قاسم حسون رئيس اللجنة الكردية للاعتراف بإبادة الإيزيديين أثناء مؤتمره الصحفي في دهوك قبل نحو أسبوعين.
وفي الوقت الذي يبحث فيه رئيس الاقليم مسعود البارزاني عن دعم عربي كوردي سني في سنجار، يحاول اختلاق المشاكل بين المكونات، كما سعى مؤخرا لخلق فتنة بين عشيرة الجرجرية من جهة وبين الايزيديين من جهة أخرى، تنفيذا لأغراض سياسية خاصة، وهنا يلعب بعض المحسوبين على الايزيديين على الوتر الطائفي، ويدخلون المكون بمشاكل هم في غنى عنها (كما حدث في العام ٢٠٠٧ في قضاء الشيخان ومهاجمة الاكراد المسلمين للايزيديين، وهذا الامر كان مدبرا من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني)، فضلا عن انهم يقومون بتشويه الكثير من الحقائق الثابتة كما تسعى النائب فيان دخيل لإثبات أن الايزيديين أكراد القومية، وهو أمر خاطئ يسعى لإلغاء القومية الايزيدية، ويصب في مشروع البارزاني لتكريد الايزيديين ومصادرة تمثيلهم بقوة المال والإعلام والسلطة التي يفتقدها أي منافس ايزيدي لدخيل.
الحقيقة أن فيان دخيل تنتحل صفة تمثيل الايزيديين داخل البرلمان العراقي، وهي في الواقع ممثلة عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني فقط، لأن حقيقة تمثيل المكون تقتصر على الفائز بالمقعد الايزيدي الرسمي المخصص للكوتا الايزيدية، ويشغله الآن النائب شيخ حجي شيخ كندور عن الحركة الأيزيدية من أجل الإصلاح والتقدم.
وللوقوف على هذه الحقيقة لابد من العودة الى ما قبل انتخابات العام 2014 وكيف تم القضاء على الصوت الايزيدي داخل البرلمان العراقي من خلال تقليص عدد مقاعدهم، بفعل ممارسات حكومة اقليم كوردستان التي رسمت خطة محكمة لتمرير أجندتها التي لم ينتبه اليها كثيرون.
ففي السابق كان من الصعب جدا على الايزيدي ان يرشح نفسه حتى ضمن قائمة حزب كردي، لكن المفاجأة أن الانتخابات الاخيرة (2014) اتاحت الفرصة للايزيديين للترشح دون قيد أو شرط، وبذلك تجاوز عدد المرشحين 67 مرشحا ايزيديا ضمن قوائم الاحزاب الكردية فقط.
كان أغلبية هولاء المرشحين مدفوعون من قبل أحزابهم (الكوردية)، بل قامت هذه الاخيرة بتأسيس أحزاب وجبهات بأسماء إيزيدية صرفة، تتبعها، ومثالا على ذلك محما خليل قائمقام سنجار الحالي والنائب السابق في البرلمان العراقي الذي أسس جبهة أو حزبا بدعم الديمقراطي الكردستاني لانتزاع مقعد الكوتا، ولكنه خسر خسارة مذلة، ما جعل الحزب الديمقراطي الكوردستاني يغضب منه في حينها.
كانت هذه الخطة بهدف كسب الأصوات الإيزيدية من جهة، ومن جهة أخرى لتشتيت أصواتهم، إذ لم يصل الى البرلمان العراقي للأسف من مجموع 67 مرشحا سوى فيان دخيل (عضو الديمقراطي الكردستاني)، رغم أن عدد المصوتين الايزيديين كان يبلغ 650 الفا ما يؤهلهم للحصول على أربعة مقاعد، وهذا الأمر يظهر أن قضية تحديد الكوتا بمقعد واحد كانت مقصودة أيضا.
أما ما يخص برلمان إقليم كوردستان المعطل أصلا، فكانت حصة الايزيديين في الانتخابات الأخيرة مقعدا يتيما لا أكثر، حيث يتم اختياره حسب أوامر حزبية، وليس باستحقاق انتخابي، كما حصل مع النائب شامو الذي اعترف علنا في لقاء متلفز أن الشارع الايزيدي لا يراه ممثلا عنه، لأن من غير مسموح لأي مستقل إيزيدي الترشح لبرلمان الاقليم.
هذا ما يخص التمثيل البرلماني أما بشأن مجالس المحافظات، فمن البديهي أن يكون الثقل الايزيدي في محافظة نينوى، حيث حصل الايزيديون في الدورة الماضية على أكثر من تسعة مقاعد بامتياز عدا حالات التزوير التي أكلت من جرفهم الانتخابي، فضلا عن تعمد الحزب الديمقراطي الكوردستاني إبعاد بعض المرشحين الذين يتمتعون باستقلالية.
كما ان الحيف لحق بممثلي المكون التسعة حيث تم إبعادهم عن شغل أي منصب إداري يستحقونه بذريعة اعتماد الدين أساسا لمنح وتقسيم تلك المناصب في مخالفة صريحة للدستور العراقي الذي أكد المساواة بين جميع المواطنين العراقيين، فقد تم منح منصب رئيس مجلس المحافظة لبشار كيكي (وهو كوردي مسلم من عشيرة الكيكة وتابع للحزب الديمقراطي الكوردستاني فشل في منصبه كما هو معروف لدى الشارع الموصلي)، ولم يُسند للايزيديين حتى منصب نائب المحافظ، وهو أقل ما يستحقه المكون.
وإذا ما أضفنا لهذه المشكلة، أزمة نزوح الايزيديين، وخلو مناطقهم التاريخية من تواجدهم فيها، فاننا أمام أزمة حقيقية أقل ما يقال عنها أنها عويصة.