كشف الإعلان الرسمي لوزير داخلية ولاية بافاريا يواخيم هيرمان أنّ منفذ الهجوم على المحتفلين بمهرجان الموسيقى في أنسباخ بحقيبة ملغومة بايع تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وأنه أعلن على صفحات التواصل الاجتماعي عزمه الانتقام من الألمان قبل إقدامه على تفجير نفسه بمن حوله، والمرء لا يسعه إلا أن يتساءل كيف تحوّل طالب لجوء ضعيف الحيلة باحث عن الأمان إلى منتقم من البلد الذي آواه وحماه لمدة سنة تقريبا؟
هذا الهجوم الخطير وأسبابه يجب أن يُقرأ في ضوء الهجمات التي سبقته، وأولها هجوم شاب (يحتمل أنه من أفغانستان أو باكستان) بفأس وسكين على ركاب قطار في فورتسبوغ، ثم إطلاق شاب ألماني إيراني النار من مسدسه باتجاه الناس قرب مركز اولومبيا التجاري في مدينة ميونخ ببافاريا، ما سبب مقتل 9 أشخاص وجرح 16 و انتحار القاتل، تلى ذلك هجوم طالب لجوء سوري في مدينة رويتنلغن بولاية بادن فورتمبيرغ بساطور على سيدة حامل ما أدى إلى مصرعها و جرح رجل وامرأة قبل أن تسيطر الشرطة عليه.
في حديثه إلى DW عربية، سلط جاسم محمد، الباحث في شؤون مكافحة الإرهاب، الضوء على تكتيك جديد أطلقه تنظيم “داعش” منذ عامين لتحريك عناصر تعمل لصالحه في الغرب دون أن تكون من “الذئاب المنفردة” وليس من الضرورة أن تكون قد مارست نشاطا إرهابيا في مناطق نفوذ التنظيمات التي تصف نفسها بـ”الجهادية”.
ونقل جاسم محمد نداء وجهه احد مقاتلي “داعش” ويكني نفسه بأبي البراء الهندي خاطب من خلاله من أسماهم “إخوانه في الغرب”، زاعما معرفته بأنهم يشعرون بالاكتئاب، ونصحهم بأن “علاج الاكتئاب هو الجهاد” وحثهم على ذلك.
ومنذ إطلاق هذا النداء تكاثرت في أوروبا العمليات الإرهابية – حسب جاسم محمد- بدءا من الهجمات في فرنسا وبروكسل مرورا بأسبوع ألمانيا الدامي، ومن غير المنتظر أن تنتهي ” غزوات القتل الدامية” في القريب العاجل، حسب الخبير في شئون الإرهاب.
ويؤكد الخبير في شؤون مكافحة الإرهاب جاسم محمد أن تنظيم “داعش” “غيَّر إستراتيجيته، فترك الجماعات المتطرفة في أوروبا لأنها تحت المراقبة وتحوم دائما حولها الشبهات، واتجه نحو الأفراد الذين لا توجد لديهم ارتباطات اسلاموية أو نشاطات، ولم يكونوا تحت رادار الاستخبارات وأجهزة الأمن الأوروبية. وبهذا يخاطب التنظيم الشباب الذين يعانون من الاكتئاب والمشاكل النفسية، وأصحاب السوابق الجنائية ومدمني المخدرات، وهذا ما كان واضحا في عمليات الدهس في نيس بفرنسا وهجمة قطار فورتسبورغ والهجوم الانتحاري في مدينة أنسباخ”.
تضع هذه الحقائق تحديات خطيرة أمام أجهزة الأمن الألمانية، فهي مطالبة بمراقبة تحركات عدد غير محدود من الأشخاص. والى ذلك اعتبر جاسم محمد أنّ الأجهزة الأمنية تعرف نحو 500 شخص في مراكز الإيواء يُحتمل أن يكونوا أهدافا لتنظيم “داعش”، ويمكن أن يتحولوا في أي لحظة إلى جند للتنظيم أو مقاتلين عنده، وهي مراتب مختلفة تنظيميا.
إزاء كل هذه التطورات التكتيكية، ذهبت كثير من الآراء إلى أنّ حالة من الاكتئاب ربما سادت بعض من نفذوا الهجمات الدموية، ولكن علماء ومختصين في شؤون الاكتئاب وثقافة العنف وظاهرة الانتحار نفوا أنّ الاكتئاب وحده يمكن أن يكون سببا للهجمات الدموية غير المتوقعة من البعض، والى ذلك تحدث إلى DWعربية الباحث النفسي المتخصص في قضايا الانتحار غيورغ فيندلر شارحا تصوره عن الهجوم الدموي في ميونخ، والذي نفذه شاب ليس لاجئا حديثا، بل ولد قبل 18 عاما في ألمانيا وترعرع فيها، ” عليّ أن أوضّح بدءاً أن وصف مكتئب يدل على ما يبدو عليه الإنسان بالنسبة للآخرين، ولذا أقول هنا إن الشرطة كانت حذرة جداً في وصف المعتدي بهذا الوصف”. ويضيف “علامات اكتئاب” لا تعني قط أنّ المصاب يعاني من مرض نفسي، وحتى إذا كان يعاني من الاكتئاب، فإن من يعانون من هذه الحالة لا يشهرون أسلحة ويقتلون الناس بها بشكل عشوائي. المكتئبون عادة يستهدفون أنفسهم بالعنف. من هنا لا يمكن الافتراض أنّ الاكتئاب كان سبب الهجوم” .
هجمات إرهابية هزت أوروبا
أعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن الهجوم الذي نفذه لاجئ أفغاني مسلح بفأس في إحدى قطارات ألمانيا، ليصبح رقما في القائمة الطويلة للأعمال الإرهابية التي نفذتها مجموعات وتنظيمات إسلامية إرهابية.
من جانب آخر وفي معرض شرحه لظاهرة العنف عموما في أوساط اللاجئين وفي حوار سابق مع الدكتور نبيل يعقوب الذي عمل لمدة عشر سنوات في مركز لإيواء اللاجئين شرق ألمانيا كما كان عضوا في مجلس أمناء المنظمة العربية لحقوق الإنسان، أنّ “غالبية اللاجئين الذين يمارسون العنف هم رجال شبان في حالة أزمة من الناحية النفسية وينتظرون بين يوم وآخر الحسم في مصير بقائهم أو رحيلهم عن ألمانيا، وهو ما يفسر ردود أفعالهم العنيفة”.
وإذا أراد الباحث في هذا الموضوع أن يربط هذه التحليلات ببعضها فسيصل بسهولة إلى أنّ كما هائلا من التحديات يواجه أجهزة الأمن ومراكز إيواء اللاجئين وأجهزة القضاء في ألمانيا في المرحلة المقبلة، رغم أنّ تدفق اللاجئين على البلد قد تناقص لكنه لم ينقطع قط.