صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

أنا أكتب لأشعر بالزمن

“سيطرت علي فكرة حول سيدة كانت تريد بطريقة رائعة الانتقام من رجل تسبّب لها بألم رهيب. سوف تظل الى جانبه لتذكّره باستمرار بما فعله لها. لم أنجح في تنفيذ هذه الخطة، لكنها حملتني الى فكرة رواية عن سيدة خُطف منها محبوبها: زوجها” قال الكاتب الأسباني خافيير مارياس (64 عاماً). جاء الى هولندا بمناسبة صدور روايته بالترجمة الهولندية “العشاق” (العنوان الاصلي بالاسبانية: Los enamoramientos)، التي حصلت على تقييم خمس نجوم من قبل القرّاء في صحيفة فولكس كرانت.

 

تردّد الكاتب كثيراً قبل مجيئه. كان متعباً بسبب انتقاله الى منزل آخر وجولته في أرجاء ألمانيا. وثمة فكرة اختمرت لرواية جديدة. أثناء مهرجان لاهاي الملتقى الأدبي العابر للحدود (Crossing Border Festival) أجاب عن كل الأسئلة، حتى لو كان متعباً.

 

صدرت أول رواية لمارياس عام 1971 وكان عمره 19 عاماً. لكن ليجد صوته الخاص انتظر عشرين عاماً أخرى. كان هذا مع رواية “كل الأرواح” روايته السادسة التي صدرت 1989. عاد الرجل المدريدي في هذه الرواية الى ذكريات عامين عاشها ودرس خلالها في أكسفورد. لم يكن على عجلة من أمره أيضاً. دفعته أحداث صغيرة، كلام الاخرين، أحداث ومواضيع يومية الى تأمل وتخمين المعاني المتخفية وراءها. جمل طويلة بلورت أفكاره التأملية، أبطأ مارياس الزمن الى إيقاع موسيقة رائعة لا تقاوم.

 

وسوف يظل يفعل ذلك حتى صدور “وجهك غداً” بأجزائها الثلاثة بين 2004- 2007 التي أجهدته عقلياً وجسدياً، ولكنها أشعرته بالرعب أيضاً، كان يخشى فكرة أنه ربما قد قال كل ما كان يريد قوله.

 

لكن بعد فترة قصيرة بدأ يحك جلده مرة أخرى، “تذكرت قصة حكتها لي صديقتي منذ زمن طويل عن زوجين كانت تراهما يتناولان وجبة الإفطار في الكافتيريا كل يوم، وتركا لديها إنطباع أنهما سعيدان جداً مع بعضهما. هذه السعادة انتهت بصفعة واحدة عندما قُتل الرجل في حادث شنيع. هذه كانت بداية رواية “العشاق”، بدأت الرواية بقصة حقيقية. في البداية شعرت بالخجل من شخصياتي الجديدة. واجهتهم كأنهم غزاة. كانت شخصيات “وجهك غداً” التي عايشتها لتسع سنوات لاتزال باقية بقوة في رأسي”.

 

“رواة قصصي سلبيون، هناك شهود أكثر من الفاعلين. كانوا مغني أوبرا، مدرسين، كتّابا وخطباء، جميعها مهن لا يمكنك أن تتحدث بصوتها لكن بصوت آخر. وهذا تناقض، لأنهم من جانب آخر يتصرفون كما لو أنهم رواة رواياتي بأفكارهم الطويلة المتدفقة في الواجهة تماماً.

 

“حاولت كتابة روايات أحب قراءتها، وهي عموماً الروايات التي لا تحتوي بالضرورة على حبكة، انفعال أو حدث. مثل تلك الروايات التي تقرأها ربما وتحمر أذناك، لكن لا تترك أثراً فيك عند انتهائك منها. أحب قراءة روايات فيها ومضات وإيحاءات. روايات مع مقاطع أحب إعادة قراءتها مرة بعد اخرى وتكشف لي أشياء أعرفها لكني لا أعرف أني أعرفها”.

 

أسلوب مارياس غير المحدد في الكتابة هو قانونه الخاص أيضاً، “إذا كتبت في الصفحة العاشرة أن امرأة تزوجت واكتشفت في الصفحة المئتين أن من الأفضل لو لم تكن متزوجة، فاني لا أغيّر ذلك. لأن هذا يحدث في الحياة أيضاً. القرارات التي تتخذها وأنت في العشرين ــ اختيار وظيفة معينة، زوجة معينة ــ لا يمكنك تغييرها وأنت في الأربعين”.

 

من ناحية أخرى ظل ينقر أسلوبه على آلة الكاتبة الكهربائية، مارياس لا يستخدم الكمبيوتر في الكتابة. “أحياناً أعيد كتابة المسودة لخمس أو ست مرات. ربما ترى في هذا إضاعة للوقت، لكني لا أكتب من أجل كسب الوقت. أنا أكتب لأشعر بالوقت. ولأضيّع الوقت أيضاً. بالإضافة الى ذلك، كلما أعدت كتابة النص، يصبح ملكك أكثر مرة بعد أخرى”.

 

رواة مارياس واعون جداً للواقع الذي يحيط بهم. محتوى سلة المهملات ممكن أن يكون مناسباً لصفحة طويلة من الأفكار المتدفقة. هل لدى مارياس نفسه وعي مفرط في حياته اليومية؟. “فقط عندما أكتب. في الحياة اليومية أنا غير موجود. تحدثت ذات مرة الى قرّاء لديهم شعور بأنهم يجب أن يكونوا حذرين في حضوري، لأني رأيت كل شيء وعرفت بالضبط ماذا سيرتدون من ملابس، أي نوع من الأحذية سوف يرتدون وماذا يكشف مظهرهم عنهم. دُهشت عندما سمعت هذا، لأن هذا غير صحيح تماماً. أنا لست ملاحظا جيدا، لكن ربما ألاحظ أكثر مما أظن، لأني أثناء الكتابة أتذكر بعض الأشياء التي لم أكن أعرف أني لاحظتها”.

 

إذن مارياس ليس لديه دفتر ملاحظات؟ “لا، ولا حتى مجازاً. أعرف كتّاباً يتساءلون حول كل ما يتعرضون له إن كان يمكن استخدامه في كتاباتهم. أجد هذا أمراً محزناً”.

 

يكتب مارياس منذ سبعة عشر عاماً عموداً، وفي السنوات التسع الأخيرة يكتب في ملحق يوم الأحد من صحيفة El país. حيث يمنح وقتنا حجمه المناسب ويضرب بلا رحمة السياسيين، أصحاب البنوك، ومورينيو مدرب ريال مدريد (سابقا). لاقت أعمدته ردات فعل كثيرة. ومن الغريب أن مارياس يمكنه صياغة شكل متجهم لأعمدته. “أستطيع أن أكتب عن أي شيء أريد الكتابة عنه. الى جانب ذلك، كتابة الأعمدة تحفزني على الاهتمام بما يحدث الآن. في الخيال أنت تقترب من الواقع، الخيال هو الملجأ. لكن إذا كنت مقيداً بكتابة الروايات، فأنت عرضة لخطر العيش في الغيوم”.

 

وهناك سبب آخر لكتابة الأعمدة. “أحياناً، عندما أشعر باستياء شديد تجاه سياستنا، استخدم العمود مثل كيس اللكم. عندها أشعر ببعض الارتياح”.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*ترجمت عنوانين الكتب من الترجمة الهولندية.

 

*أجري الحوار عام لصالح صحيفة AP في عام 2012، عند صدور النسخة الهولندية لرواية “العشاق”.

إقرأ أيضا