توشك حكومة العبادي ان تدخل شهرها السابع. وبجردة حساب بسيطة، يمكن القول ان أهم إنجازات العبادي وحكومته هي ترميم بعض الأخطاء الكارثية التي اقترفها المالكي خلال ولايتيه المتعاقبتين.
صحيح أن العبء الذي وقع على عاتق السيد العبادي كبير، لكن هذا العبء لا يسّوغ التماهل أو التثاؤب أمام ملفات باتت تشكل استحقاقات جماهيرية غير قابلة للتأجيل أو التسويف. كما أن محاربة تنظيم داعش وتحرير الأراضي التي استولى عليها، لا تتعارض مع تلك الاستحقاقات ولا تشكل مبررا لاهمالها، لأن تلك هي مهمة الجيش والشرطة والحشد الشعبي والبيشمركة والعشائر، فيما ملفات الأمن والخدمات ومعالجة الأزمة الاقتصادية وفتح ملفات الفساد والفاسدين مهمة الوزارات والمؤسسات المختصة واللجان المتفرعة عن مجلس النواب.
الجدية في الإصلاح الذي كان شعارا للتغيير، تبدأ من تنفيذ التوقيتات التي ألزم العبادي نفسه بها، سواء في برنامج حكومته السياسي الذي تلاه أمام البرلمان أو من خلال المقابلات والتصريحات الإعلامية. وأهم هذه التوقيتات، بتقديري، ما يتعلق بمراجعة سقف إنجاز الوزارات خلال سقوف زمنية أمدها كل مائة يوم، وها قد مضت المائة يوم الأولى، وتوشك الثانية على الانقضاء، دون أن ندري ماذا تحقق وما العوائق وما سياسات وخطط الوزارات المستقبلية على المديين القريب والمتوسط؟
وبمراجعة بسيطة للملفات المستعصية، سيجد العبادي أن أزمة الكهرباء قائمة ووزيرها الجديد لم يحقق أي تقدم في مستوى ساعات التجهيز، وينسحب الأمر ذاته على وزارة التجارة ومفردات الحصة التموينية الفقيرة وغير منتظمة التوزيع، وكذلك في استمرار إكتضاض المدارس بالطلبة الذين يضطرون لمداورة الدوام خلال ثلاثة أوقات متعاقبة في البناء المدرسي الواحد، والاستهتار بحياة الناس وإمتهان كراماتهم، وهو الشعار الوحيد المعمول به في مستشفيات العراق، يصاحبه إنعدام الرقابة على الأدوية المباعة في الصيدليات النظامية وصيدليات الأرصفة، ناهيك عن الأسعار المتزايدة في أجور الأطباء والمختبرات الطبية. باختصار، الحال كما هو، وكما تسلمته حكومة العبادي، لم يطرأ عليه أي تغيير سوى العبء المالي الذي أضيف الى أعباء المواطن اليومية الأخرى.
آفة الفساد قائمة ومتفاقمة، وما كشفته برلمانية عن حجم التجاوزات التي تجري الآن على أملاك الدولة وأملاك المحسوبين على النظام السابق، يشي بأن عصابات النهب المنظم مستمرة في غيّها ولا تحسب أي حساب لما تعلنه الحكومة ورئيسها حول محاربة الفساد، ما يعني أحد أمرين، إما أن يكون هؤلاء على علم بأن الإصلاح ومحاربة الفساد مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي وذر للرماد في العيون، وإما أن يكون هؤلاء محميين من شخصيات وكتل سياسية هي أكبر من الحكومة والبرلمان وفوق القانون، ولا أحد يمكنه الإجابة عن التساؤلات التي تحوم حول هؤلاء غير السيد العبادي، والإجابة هنا محكومة بالإجراءات المتخذة علنا ضد هؤلاء وليس بالشعارات والوعود.
ليس أمام السيد العبادي سوى خيار المواجهة، إذا كان مؤمنا بقوة الشعب التي ستسانده. فقد بات واضحا الآن أن السياسيين الذين يعملون ضده وضد حكومته هم أكثر بكثير من السياسيين الذين هم معه ومع حكومته. تتجلى هذه الصورة بوضوح من خلال إنحيازات مختلف الكتل، ومن خلال محاولات تكريس العنف الذي يؤدي بالضرورة لتناسل أعداد الإرهابيين، وما اغتيال الشيخ قاسم سويدان ونجله وستة من حمايات النائب زيد الجنابي إلا أحد تجليات هذا التكريس.
وليس أمام السيد العبادي، من أجل فضح هؤلاء وفك الاشتباك بين القوتين، التي معه والتي ضده، سوى تعزيز سياسته الإصلاحية الديمقراطية التي ستؤدي حتما إلى مصالحة وطنية حقيقية تفرز ما هو سياسي عن ما هو جنائي، وتعزز الانفتاح بين الكتل والأحزاب والشخصيات السياسية وتمد جسور الثقة بينها.
خطوة الإصلاح الأولى تبدأ بمطالبة الوزراء تقديم برامج قصيرة الأجل تتم مناقشتها شهريا عبر الفضائيات، ليعلم الشعب حجم الانجاز الحقيقي للوزير وأسباب تلكؤ المشاريع، حينها سيدعم الشعب السيد العبادي بعزل الوزراء الفاشلين والفاسدين، ولن تتمكن كتلهم السياسية من حمايتهم والتغطية على فشلهم وفسادهم، وهذا الأمر لن يكون ما لم يتأكد الشعب من مدى جدية السيد العبادي في محاربة الفساد وفي الإصلاح والبناء.