والليالي من الزمان حبالى مثقلاتٍ يلدن كل عجيبة
الإمام الشافعي
نهاية رثة لزعيم رث ترك وراءه شعباً رثاً. هذا ما خرجت به من مشاهدتي، حينذاك، لآخر ما التقط لملك ملوك إفريقيا، وعميد الزعماء العرب؛ مسحولاً، مهاناً، مصفوعا، ومتروكا لمصيره المخزي، تتداوله أكفُ من خاطبهم بـ(أولادي)، ومن سبق له قبل شهور من مقتله، أن خاطبهم بـ(الجرذان)!! بيد أنهم قتلوه برفقٍ؛ رصاصة واحدة في الرأس؛ تخيلوا معي لو أن صدام حسين وقع بأيدي (أبنائه!) فماذا سنجد منه بعد دقيقتين من وقوعه بينها؟ سيكون كأن لم تلده أمه!
اختلاف المصائر، هنا، لا يعني شيئاً كبيراً، إذا ما تذكرنا، أنهم تركوا وراءهم شعوباً، تختلف – ربما – في أشياء كثيرة، لكنها تتشابه في الرثاثة. بشائر استعصاء بناء دولة عصرية في ليبيا بدأت تطل برؤوسها الميدوزية المرعبة: من سيجمع الأسلحة من أعماق أبناء مسكونين بشهوة الانتقام والعض والنهش؟ من سيدير الصراع على ثروة نفطية هائلة؟ متى الشروع بإعادة أعمار ما تهدم؟ المليارات المنهوبة في مصارف العالم، من سيُعيدها إلى أصحابها الشرعيين؟ ضف إلى ذلك مليارات عشاقه ومريديه! متى سيتم استغلالها في تخريب ما لم يخربه القذافي نفسه؟ متى يحين الانفصال؟ متى أول قبر جماعي من قبور ما بعد الثورة؟ متى تطرق الباب جيوشُ الوصاية الأجنبية القادمة قدوماً لا ريب فيه، بحجة الفصل بين المتقاتلين من أبناء الشعب الواحد؟ كم وعدا كاذباً سيبتلع الناس، في اليوم الواحد؟ كم مرة سيحنون إلى جلادهم القديم؟ وكم سيضحك القذافي المقبور، في قبره الملعون، من خرافة التحرير؟ لا أعلم مقدار الصحة في أسئلة تنضح شؤماً كهذا، ولكني أتمنى من كل قلبي حدوث العكس. وأيضاً؛ ما الذي ينتظره بطلٌ آخر من أبطال أزمنة التحرير الناصرية، هو علي عبد الله صالح، العائد بقوة انعدام حياء مريديه إلى سوح وغى السياسة في يمننا السعيد؟ سبق له أن تلقى صفعة صاروخية هائلة، حرقت وجهه ويده ولسانه، ولكن الله أنجاه، ليس حباً به، ولكن، ليلقى مصير أخيه حسني مبارك! أعلم أنه تنحى، بعد قبض وإسهال عظيمين، ولكن، صدقوني، لن ينجو بأفعاله، طال أم قصر الزمان؛ فالرجل الذي لا يتعب من إرسال رسائل يريد إقناع خصوم الأمس بها، حول رغبته في العيش بسلام مثل بقية خلق الله، هو الرجل، نفسه، الذي أعطى لكل من والاه امتيازات ضخمة، لن يتخلى عنها أصحابها بسهولة، خصوصاً إذا ما علمنا أن لبعضها – الامتيازات – نحو ارتباط أخطبوطي بجماعات متنفذة، لها، هي، أيضاً، ارتباطاتها بدول “شقيقة!!” يهمها إبقاء اليمن السعيد مزرعة دولية رثة لاستهلاك نبتة “القات”.
إنه لمن الخطورة بمكان ترك أمثاله طلقاء بعد خلعهم، غير مأسوف عليهم، من كراسيهم المصنوعة من عظام البشر وأوجاعهم.. خطورة توازي خطورة أو خطيئة سحلهم – كما فعلنا، نحن، في ثورة الرابع عشر من تموز 1958 – الأجدى هو محاكمتهم محاكمة عادلة جراء ما ارتكبوه ضد شعوبهم، أو إجبارهم على البقاء في أماكن يُمنع فيها عليهم إرسال ما يودون إرساله.