صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الأرض الغريبة

قلبي صار أكبر حجماً من ذي قبل, هكذا اشعر به الآن, وأكثر ضعفاً, لم يعد…

قلبي صار أكبر حجماً من ذي قبل, هكذا اشعر به الآن, وأكثر ضعفاً, لم يعد يحتمل ثقل هذا الجسد, وروحي الشاسعة صارت تضيق بي, ويدفعها وهني إلى سياقها, وأوقات الطفولة في جسدي المتعب, حملها الخفيف لا يطاق, ولم أعد أُجيد تلك الأغاني, أغاني الطفولة, فلساني لا يقوى على الترنح بها, رغم أنَّها في رأسي لم تزل, حبيسة الذاكرة, وروحي الوحيدة لا تُصغي إلا لأغاني البكاء, ونايات الأنين.

 

ما ينبثّ مني هو شعاعي الاخير, فأنا نهار ينتشق الأفول, وياسمينة قُطِفت ولمَّا يراقص عطرها النسيم.

 

في رأسي ضجيج العزلة, وروحي مترعة بحزنها الهادئ, وما اتوق إليه الآن هو نومي الطويل, المصفّى من شوائب الأحلام, وكوابيس الحياة.

 

لا أريد ان أثب فزعاً, تتملكني رجفة القلب, ورعشة الروح, خشية الولوج في تلك الطريق, حيث لا بداية ولا نهاية, ما أريده هو أن ألج وحسب, وأسير وحدي في رحلتي, كما كنت أسير من قبل, وحيداً في ضباب الأمس, لا يرافقني سوى هوس المسير, ولا أرى غير غبش الكآبة.

 

ولتكن المسافة بعيدة, لا يهم, ما دمتُ ارى شبحي الذي يذوب كلّما ابتعدَ من اللابداية, واقتربتُ من اللانهاية!.

 

كلانا باردُ, انا والموت, وهذا سببٌ ليعانقني, ويتنفس في روحي, واتلاشى في صفة التشابه, وأكون جديراً بأن اتلو اناشيده, وأقف مستعداً للقائه فوق أطلال هذه الحياة..

 

وهل الحياة إلا لحظة وهمٍ وسهوٍ, ما ان ننتبه نجد الحقيقة قريبة جداً, الموت.

 

ها انا الآن أنزف جماليات الأشياء, وأُزيل غطاء التوهم عن ناظريَّ, فلا شيء أراه على حقيقته ليبدو لي جميلاً أو قبيحاً, فالسماء ليست زرقاء, والوردة الحمراء ليست كذلك, ولا هي عَطِرة كما نَتَنسَّمها, وألوان الطيف ليس الاحمر أطولها موجةً, ولا البنفسجيّ أقصرها, وليست الحقول خضراء, ولا الماء بلا لونٍ وطعمٍ ورائحة, وليست الفصول أربعة, ولا نجمة الزهرة الجميلة, نجمة الصباح والمساء, المتألقة عند الشروق والغروب, هي كذلك!, ولا حقيقتها في “التيلسكوب” أنّها هلالٌ يكاد الظلام يبتلعه حقيقة أيضاً, ولم يكن ذلك العجوز الذي ابتعتُ منه عصير البرتقال وهو يبتسم ابتسامةً مهترئة حقيقيّ الملامح, ولا ذلك العصير ولا أنا!.

 

فالجميل ليس جميلاً والقبيح ليس قبيحاً كما نعتقد, نحن فقط عبيد حواسنا القاصرة والعاجزة عن إدراك الحقيقة كما هي, وهذا مفزع.

 

كم يطيب لي أن اترجّل حافياً وعارياً تاركاً هذه المساحة الضيقة من العيش لتلك الأجساد المزدحمة, الموبوءة بالجشع.

 

عدم الاكتراث لهذه المباهج المزيفة يتدفق فيَّ, مثلما يتدفق ماء النهر في المصب, أنا مستسلمٌ لهذا الخمول في دمي, ولا فرصة لاحتطاب الفرح الذي لم ينمُ ولن..

 

عباءتي الريح, وترنيمتي وجعي القديم, ووجهتي تلك النجوم الميتة.

 

 

إقرأ أيضا