الانتخابات المغربية: خطوة حاسمة نحو الديمقراطية

خلافاً للدول الإقليمية، عندما برز الحراك الشبابي (20 فبراير) في المغرب مطالباً بالحرية والكرامة والعدالة…

خلافاً للدول الإقليمية، عندما برز الحراك الشبابي (20 فبراير) في المغرب مطالباً بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية في عام 2011، تعاطف معه العاهل المغربي محمد السادس، وتحرّك نحو إصلاح البيئة السياسية في البلاد.

 

ففي خطابه في 9 آذار مارس 2011، أرسى الملك الأسس للدستور المغربي والانتخابات التشريعية الأولى، التي جرت في 25 تشرين الثاني نوفمبر من ذلك العام. وبعد مرور ما يقرب من أربع سنوات في ظل الحكومة المنتخبة، برئاسة “حزب العدالة والتنمية” أجرت المغرب الانتخابات البلدية والجهوية في الأسبوع الماضي، مما يشير إلى فصل جديد في الديمقراطية المغربية.

 

ومع ذلك، فإن التطورات في المغرب التي أعقبت ذلك حملت وجهات نظر متضاربة بشأن فعالية الانتخابات في الأسابيع التي سبقت عملية التصويت. إن هذه الآراء المتعارضة حول أهمية الانتخابات المغربية قد رافقت عملية التصويت في البلاد منذ تنظيم الانتخابات الأولى عام 1963. وقد دعا البعض إلى مقاطعة الانتخابات المغربية، في حين رأى آخرون أن المشاركة فيها هي الوسيلة الأكثر فعالية لدفع عجلة الديمقراطية في المغرب.

 

ويُظهر هذان الرأيان، أحدهما متفائلاً والآخر متشائماً، التحليلات المختلفة للمسار الذي عرفته التجربة المغربية في مجال ترسيخ الديمقراطية ومستقبل البلاد المحتمل كدولة ديمقراطية.

 

ويرى أولئك الذين يدعون إلى مقاطعة الانتخابات أن المشاركة فيها لا تحقق تغييراً في المغرب. وبدلاً من ذلك، يعتقدون أن الانتخابات في البلاد تكرس الظلم والاستبداد من خلال توفيرها طابعاً ديمقراطياً للحكومة. كما يرى أولئك المتشائمين أن التحركات الأخيرة نحو الديمقراطية تستند إلى دستور غير فعال في ظل جوهر الاستبداد، وقد جاءت كرد سطحي في محاولة للتأقلم مع الحراك الداخلي الذي يطالب بالمزيد من الحريات وما رافق ذلك من ضغوط دولية. ووفقاً لذلك، فإنهم يصفون الانتخابات على أنها محاولة لتسويق نسخة من الديمقراطية تفتقد لفلسفتها المتمثلة بالاختيار الحر وعدم التحيز والمحاسبة أمام الناخبين المغاربة. ويعتقد أولئك الذين يحملون هذا الرأي بأن المشاركة في التصويت تدعم ديمقراطية زائفة في حين أن الامتناع عنه يكشف عيوب النظام.

 

وفي المقابل، يعتقد أولئك الذين يدعون إلى المشاركة في الانتخابات أن المؤسسة الملكية عبّرت عن رغبة حقيقية في تحقيق تغيير ديمقراطي على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، من خلال رد فعلها على الأحداث الإقليمية الأخيرة. وعلى وجه الخصوص، يشير المتفائلون إلى استجابة النظام الملكي بصورة إيجابية ومرنة لمطالب الحراك الشبابي في عام 2011، عندما اعتمد الدستور المغربي الحالي. وعلى النقيض من المتشائمين، يصف المتفائلون الدستور بأنه مبنياً وفق منطق تشاركي يكرس الفصل بين السلطات والمؤسسات، والاعتراف بأهمية تقاسم السلطة والتعدد اللغوي، ودسترة توصيات المساواة والمصالحة.

 

ويقتنع هؤلاءالمتفائلين أن التغيرات السياسية الحالية في المغرب لا ينبغي أن تُعتبر نهاية فترة الإصلاح في البلاد. وبدلاً من ذلك، يعتبرون أن المسار الديمقراطي يتطلب تواصل النضال الجماعي وتضافر الجهود للدفع في اتجاه بلوغ الملكية البرلمانية. وتعمل هذه العملية ببطء على تراكم المعايير الديمقراطية التي من شأنها أن تغير في النهاية من التركيبة السياسية في المنطقة ككل. وفي ضوء الحاجة إلى اتخاذ خطوات مدروسة نحو الإصلاح الكامل، يشكل الدستور المغربي الحالي خطوة رئيسية نحو الديمقراطية، ولكن لا ينبغي التوقع منه بأن يتطور نحو ديمقراطية كاملة في حد ذاتها. ويتطلب تحقيق هذا الهدف النهائي سلسلة من تطلعات واقعية وتطورات مدروسة داخل المجتمع السياسي. وقد تم توضيح هذا النوع من التحول الديمقراطي المدروس، على سبيل المثال من خلال مشاركة تكتل “فدرالية اليسار الديمقراطي” – الذي يضم كل من “الحزب الاشتراكي الموحد” (اليسار الموحد) و”حزب الطليعة الاشتراكي” و”حزب المؤتمر الوطني الاتحادي” – في الانتخابات البلدية والجهوية الأخيرة في المغرب.

 

وعلى الرغم من أن هذه الكتلة قد رفضت في وقت سابق المشاركة في الانتخابات التشريعية، إلا أن قرار الأحزاب المنضمة إليها بالمشاركة في الانتخابات يعني أنها قررت بأن السعي لتحقيق أهدافها السياسية، أي الكشف عن الفساد، يمكن تحقيقه بصورة أفضل من خلال النضال من داخل المؤسسات الحكومية في المغرب وليس من خارجها.

 

وفي النهاية، تتأثر الدعوات إلى مقاطعة الانتخابات المغربية بأيديولوجية غير مُدركة بِكون الفعل الديمقراطي هو فعل تراكمي، يخضع للمساءلة والتقييم. وبات المعنى الحقيقي للديمقراطية محض تساؤل حتى في البلدان المصنفة ضمن الدول الديمقراطية منذ زمن طويل بسبب الموجات الجديدة من الحكومات الديمقراطية التي لا تقع ضمن التعاريف التقليدية للديمقراطية. ولا يمكن تكريس الديمقراطية ببساطة عن طريق نقل حزمة قيم من منطقة جغرافية إلى أخرى أو استيرادها من الخارج.

 

وبدلاً من ذلك، يستوجب على كل مرشح جديد للديمقراطية المرور عبر مراحل انتقالية لتفكيك البنى المعرقلة للفعل الديمقراطي، وتشكيل بنية تحتية للديمقراطية المتمثلة في الحداثة، وتكديس الاتجاهات الديمقراطية التي هي خطوة نحو بناء تقليد ديمقراطي آمن. ومن أجل أن تكون العملية الديمقراطية مسعى جدي ودقيق، يستوجب توفر بعض الشروط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وفي الانتخابات التي أعقبت الحراك الشبابي، وضع المغاربة “حزب العدالة والتنمية” – الذي لم يشارك في الحراك الشبابي – في موقع القيادة، الأمر الذي يعكس تغلغلاً للبنى المحافظة في إطار سياق عام يعرفه المجتمع المغربي. وقد أبرزت هذه الانتخابات صدمة التحديث المتمثلة بتحويل الطرق التقليدية في الحياة والسلوك والعلاقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وخاصة لدى شرائح واسعة من الشباب في ضواحي المدن.

 

ولتحقيق الديمقراطية، يجب على المغاربة أن يستمروا في الإسهام في الحياة السياسية النابضة التي تمنع المقاطعة. ينبغي أن يكون هناك حد أدنى من التوافق يربط بين الفاعلين السياسيين: فالانتخابات تمثل مناسبة مهمة تعزز نُهج حديثة للحكم وضمان تقاليد التداول السلمي للسلطة. ويرى صناع القرار في المغرب أن هذا الاستقرار سيؤدي إلى إنعاش إقتصادي والعديد من المزايا الأخرى في جميع أرجاء المجتمع المغربي. وفي المقابل، يؤدي الفشل إلى إجبار المغرب على الارتداد إلى حالة عدم الاستقرار وفشل الإصلاح. إن المغرب بحاجة ماسة لهيئة لصنع القرار السياسي الفعال تعمل على حماية حقوق مواطنيها وأمن البلاد خلال هذه الفترة من التحول الإقليمي، كما أن المشاركة في الانتخابات هي أمراً حيوياً لضمان خروج المغرب من هذا العصر المضطرب بصورة أفضل، وليس أسوأ حالاً.

 

رشيد لزرق دكتور في العلوم السياسية والقانون الدستوري، متخصص في الأنظمة الانتخابية له العديد من الكتابات في الانتقال الديمقراطي شارك في العديد من المؤتمرات الدولية.

إقرأ أيضا