صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

البابليون: حضارة العراق القديمة

المؤلف. هاري ساكز*1

 

ترجمة. سعيد الغانمي*2

 

مراجعة. د. عامر سليمان*3

 

تمثل بابل إحدى أقدم الحضارات البشرية، إن لم تكن أقدمها على الإطلاق، ففي هذه المنطقة على الفرات، تشكلت للمرة الأولى أصول الحضارة، بكل ما تنطوي عليه من كتابة، ونظم مدنية، وقوانين عمرانية، وتشكيلات اجتماعية. وفي جنوب بابل، منذ الألفية الرابعة ق.م.، تكّون تجمّع سكاني اسمه ” بلاد سومر وأكد “، كان الرائد الأول في ابتكار الكتابة، وأسهم في تكوين دويلات المدن لأول مرة في التاريخ، حتى كان أن أوجد سرجون الأكدي في بواكير الألفية الثالثة، أول إمبراطورية معروفة، امتدّت حدودها التجارية من قبرص حتى أفغانستان، وتولى أتباعه وضع أول قوانين بشرية مدوّنة.

 

ولقد تتابعت على بابل سلالات متعاقبة هي الأموريّون والأكديّون والكشيّون والآراميّون والكلديّون. يتناول هذا الكتاب هذه الدول المتتابعة التي حكمت بابل وما استحدثته من نظم أدبية وفكرية وعسكرية وثقافية واجتماعية وأسطورية استمداداً من الشواهد الأثرية والنصوص المكتوبة، بمنهج البحث العلمي الدقيق الذي لا يسمح إلا بما تؤكده الوقائع الثابتة وتبرهن عليه الشواهد التاريخية الأصلية.

 

نشر هذا الكتاب لأول مرة باللغة الإنكليزية سنة 1995 في لندن، ضمن سلسلة شعوب الماضي التي يصدرها المتحف البريطاني، حيث أوجز فيه المؤلف ما جاء في كتبه وبحوثه السابقة، وأضاف إليها ما توصلت إليه دراساته الحديثة وترجماته الكثيرة للنصوص المسمارية، فجاء غزيراً بمعلوماته دقيقاً في استنتاجاته من النصوص المسمارية، وقدم قدم ذلك بأسلوب سهل وواضح يشد إليه القارئ، إضافة إلى احتواه على فهارس الصور واللوحات والأعلام والأماكن والخرائط والثبت الزمني بالأحداث. ولحرص المؤلف على المحافظة على السياق التاريخي القديم والتزامه المنهجية الموضوعية، فقد حظي الكتاب بسمعة مميزة كواحد من أهم المصادر البارزة التي تُعنى بتاريخ جنوب بلاد الرافدين وثقافتها وعلاقة الأحداث التي جرت فيها بالسياق الجغرافي والسياسي للمنطقة، وقد نال الكتاب إعجاب القراء العاديين والقراء المتخصصين على السواء، مما دعا جامعة كاليفورنيا إلى إعادة نشره في طبعة جديدة مصورة.

 

تضمن كتاب البابليون عشرة فصول، خصص منها المؤلف صفحات كثيرة لشرح تطور الكتابة المسمارية وكيفية نشأتها، مسلطاً الضوء على عشرات التواريخ والحوليات والنقوش والنصوص الأدبية والمدونات القانونية والألواح التعليمية والنصوص الطقسية والشعائرية والعقود التجارية والمعاجم اللغوية، فبعد الفصول التمهيدية التي تُعنى بإعادة اكتشاف المدن السومرية الأولى وتاريخية البعثات الاستكشافية وآليات العمل التنقيبي، صنّف المؤلف تاريخ العراق، حسب أبرز السلالات التي نجحت في تحويل دويلات المدن القديمة إلى إمبراطوريات موحدة قوية، بدءاً من إمبراطورية سرجون الأكدي، وانتهاءً بالإمبراطورية الكلدية.

 

 

إعادة اكتشاف بلاد بابل

 

يبحث الفصل الأول من كتاب “البابليون”، البواكير الأولى لنشأة بلاد أرض بابل، التي أقيمت في الألفية الثالثة ق.م على ضفاف نهر الفرات، وأهم سماتها الجغرافية وملامح المدن والقوانين المدونة والمناخ والمصادر الطبيعية وقنوات الري والصيد وتدجين الحيوانات والمستوطنات الزراعية، كما يبحث الفصل الأول في محاور متعددة منها،” التنقيبات الأولى، التنقيبات في بلاد بابل، اكتشاف السومرية، العهد القديم والدراسات المسمارية، الحفريات في أواخر القرن التاسع عشر”، كما يتطرق الفصل الأول لأهم خصائص الكتابة المسمارية “الألفبائية” وعلاماتها وأشكالها الصورية والمقطعية ونتائج ما حصل عليه الباحثون في فك رموز الكتابة البابلية.

 

 

بدايات ما قبل التاريخ

 

تضمن الفصل الثاني العديد من المحاور التي تناولت بدايات النشأة وأهم الأدلة التي توصل إليها التنقيبات منها “الدليل التوراتي والجيولوجي، الحضارة المدنية الأولى، مصطلحات الآثار، دور أوروك وجمدت نصر، حقبة فجر السلالات، إنجاز الألفية الرابعة” إضافة إلى الجداول الزمنية، ظهور كوكب الزُهرة والشهور والخسوفات القمرية والإشعاع الكوني والتحليل بالكاربون المشع، كما تطرق الفصل الثاني للعناصر العِرقية في بلاد الرافدين الأولى والتراث المبكر في الأساطير والملاحم والمفاهيم الدينية في الألفية الثالثة والتجارة مع شمال أفغانستان وعُمان وشمال سوريا والهند وإيران، والطوفان وأهم المعلومات الأثرية والأدبية المتعلقة به وكما جاءت في ملحمة كلكامش والأدلة الأثرية.

 

 

المدن الأولى

 

الفصل الثالث تناول مدن السلالات الأولى في بلاد بابل وتطوراتها وتفرعاتها ” أوروك، أور، لجش، نفر، كيش، شروباك ” التي كانت تشكّل مراكز سياسية أوسع، كما تطرق إلى بدايات البناء الأول والفن المعماري، والمعابد، وبداية الكتابة وتطورها، والأختام الأسطوانية، والتنقيبات الأولى والتنظيم الاجتماعي من حيث ” حكام المدن، حاكم المدينة حامياً، التراتب الاجتماعي والعبودية، رقيق الأرض، والمواطنون ” كما تضمن الفصل الثالث أهم ملامح ومميزات مقبرة أور الملكية وأطوار حقبة فجر السلالات المتتابعة عن طريق السمات الأثرية والتطورات الاجتماعية للفترة الممتدة بين جمدت نصر وسرجون التي أشار إليها الباحثون باسم حقبة فجر السلالات ” الأولى 2900 – 2750 ق.م.، الثانية 2750 – 2600 ق.م.، الثالثة أ 2600 – 2500 ق.م.، الثالثة ب 2500 – 2371 ق.م.

 

 

أكد، الإمبراطورية الأولى

 

يبحث الفصل الرابع قيام أكد كأول إمبراطورية نجح في تأسيسها سرجون الأكدي بين عامي 2469ق.م 2242 ق.م وموقعها الجغرافي والتجاري وحدودها وأهم الخطوات الأولى لنشأتها وتفاصيلها، ومميزاتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية ومنهجية سياستها والدعم والأمن والمصالح وأهم التحديات التي واجهت قيام الإمبراطورية الأولى، وأهم خلفاء سرجون واستخدامهم القوة والروابط العائلية للمصالح السياسية، كما تضمن الفصل الرابع عميلة انتشار الكتابة ونشأتها وتطورها وأهم التغيرات التي طرأت عليها من الكتابة الصورية في مرحلة أوروك إلى الصيغة الخطية في حقبة فجر السسلالات ثم الصيغة المسمارية في فجر السلالات وما بعدها، من حيث نظام الكتابة وعناصرها وخصائصها ودلالاتها الزمنية وقوائمها وأغراضها التعليمية والترجمات.

 

 

سلالة أور الثالثة

 

الفصل الخامس يتناول أسباب انهيار إمبراطورية أكد، ومنها قطع خطوط التجارة واستنزاف القوى البشرية في الحروب والتغيرات المناخية خارج بلاد الرافدين إلى أدت إلى حدوث هجرات جماعية من سوريا إلى أكد بسبب الجفاف، مما أدى لانهيار الإمبراطورية على يد الكوتيين ” مجموعات عرقية مختلطة تسكن في الجبال ” والذين حكموا 91 سنة بواقع 21 ملكاً قبل أن يسقطوا على يد الملك أوروك أوتو حيكال مؤسس إمبراطورية أور الثالثة. كما يتضمن الفصل الخامس ملوك أور ومراحل حكمهم وأهم ما تميزت به الإمبراطورية من استقرار سياسي واقتصادي والتطور الزراعي من حيث بناء السدود وتعدد طرق الري، ويتطرق للتراتيل الدينية التي ازدهرت من سلالة أور الثالثة حتى الحقبة البابلية القديمة، كما يبحث في العبودية والعمل بالسخرة في الجيش والإنتاج الصناعي.

 

 

الحقبة البابلية القديمة

 

يتناول الفصل السادس ملوك الحقبة البابلية وأهم انجازات حمورابي الدبلوماسية والسياسية والتجارية، وقوانينه وطبيعتها ووحدة الممارسات التشريعية فيها وتنوع محاورها في ” إدارة العدالة، قانون الأرض، قانون التجارة، القوانين التي تُعنى بالمرأة، الأطباء والبنّاؤون، العمل الزراعي ومقادير الإيجار والأرباح، السيطرة على العبيد، السرقة، الخدمة المَلَكيّة، التعليم، الزواج والحياة العائلية “وغيرها من تشريعات وانجازات حمورابي الإدارية والعلمية في الطب والهندسة والرياضيات وخصوصاً في ” حلّ المشكلات الجبرية والرياضية وحساب المعكوسات والجذور التربيعية والتكعيبية “، كما يبحث الفصل الخامس الأدب في الحقبة البابلية القديمة وملحمة جلجامش وما تحظى به قيمة أدبية وإنسانية، مع شرح لأهم تفاصيلها وملامح أبطالها.

 

 

الملوك الكَشيون

 

الفصل السابع يسلط الضوء على الكشيون ” أقوام جاءت من جبال زاجروس” وحكموا بابل أربعة قرون ” 1595 ق.م – 1157 ق.م ” والحوريون الذين استوطنوا في شمال بلاد الرافدين وأهميتهم في استدخال الحصان ونشر استعمالاته بنطاق واسع،حيث كانوا أول من استعمل العربات ذات العجلتين التي تجرها الخيول، إضافة إلى نقلهم سمات الأدب العراقي وديانته إلى الحيثيين ومن خلالهم لقدماء اليونانيين، كما يبحث الفصل السابع أهم تطورات الحقبة الكشية في التجارة الدولية والسياسة الخارجية والبناء العمراني وتزين الجدران الخارجية للمعابد، والتطور الثقافي في الأساطير والملاحم والمراثي وتراتيل الثناء على الآلهة والمعابد والحكام، كما يتطرق الفصل السابع لسلالة إيسين الثانية بعد انهيار السلالة الكشية وغزوات العيلاميين.

 

 

 

هجرة الآراميين..

 

الفصل الثامن يبحث في هجرة الآراميين ” أقوام تمارس التجارة والرعي ” إلى بلاد الرافدين بسبب التغيير المناخي والمجاعة، وأهم المشكلات الاقتصادية التي أحدثتها هذه الهجرات على المدن البابلية، وأهم قبائلهم ” أرمبا، خزقيال” وتنوعها وتعددها وصراعاتها الداخلية، يبحث أيضاً في هجرة الكلديون الذين استوطنوا جنوب بابل وعملوا بزراعة النخيل وتربية المواشي، وأهم قبائلهم الثلاث الكبرى ” دكوري، أموكاني، ياكين ” التي تميزت بتماسكها ووحدتها، وأهم ملوكهم مردك إبلا إدينا الذي عرف بدوره السياسي والدبلوماسي، كما يتطرق الفصل الثامن للهجرات الأخرى التي أثرت في بابل خلال الألفية الثالثة وخصوصاً من القبائل الهندو- إيرانية من الميديين والفرس، ويبحث في دور الملك بوصفه الرابطة بين الناس والآلهة ومسؤولية تنظيمه للعمل الزراعي وزعامته للناس عند اندلاع الحرب، وأهم واجباته وامتيازاته.

 

 

اللغة الآرامية والمكتبات القديمة..

 

يبحث الفصل التاسع أسباب انتشار اللغة الآرامية، من خلال الامتداد الواسع للآراميين عبر الهجرة على طول الخطوط الرئيسة في كل مكان من ما وراء نهر الأردن في الغرب إلى المناطق القريبة من الخليج العربي في الشرق، مما أضفى على لغتهم مكانة عالمية وجعلها أداة مفيدة للاتصال عند التجار والإداريين، لاسيما تطور أنظمة الكتابة لديهم وبساطتها وسهولة تعلمها، وانخراطهم في التجارة العالمية، لتكون اللغة الآرامية هي اللغة المناسبة للوثائق التجارية والمراسلات الدولية، كما يتضمن الفصل التاسع محوراً خاصاً بالمكتبات ومعالمها وألواحها ” خمسة آلاف لوح في المكتبة الواحدة ” وخصوصاً مكتبة ” كوينجق ” التي أسسها الملك أشور بانيبال في القرن السابع ق.م، والتي تضم أكثر من خمسة وعشرين ألف لوح، كما يبحث في نصوص تعليم الكتبة والنصوص الأدبية ” الأساطير والملاحم ” والدينية ” التراتيل والصلوات ” والنصوص السحرية ” ضد شياطين الشر والسحر والخطيئة”.

 

 

الإمبراطورية البابلية الجديدة

 

الفصل العاشر والأخير يستعرض ملوك بابل وآشور وأهم الحوادث والمعارك والمتغيرات السياسية والاقتصادية التي طرأت في الألفية الأولى على بابل، وبابل في ظل حكم اسرحدون الذي بدأ بغزو مصر عام 675 ق.م.، وهو أول من أوجد الحكم الثنائي من السلاسة نفسها، بتعين الابن الأصغر آشور بانيبال حاكماً لآشور، على أن يحكم بابل الابن الأكبر شمش شم أوكن الذي كان الإداري الأول في بابل قبل وفاة والده، كما يستعرض الفصل الأخير فترة حكم كل من آشور بانيبال ونبوخد نصر ونبو نئيد، وبابل في الكتاب المقدس والأدب الكلاسيكي والتراث وأهم الإنجازات البابلية في الكتابة والزراعة والرياضيات ونظام تدوين القيمة المكانية لكتابة الأرقام والأعداد والتقاويم الدينية وحركة الكواكب وعلوم الفلك وغيرها من العلوم الإنسانية.

 

 

………………………

 

1 – هاري ساكز ” 1920 – 2005 ” عالم آثار بريطاني درّس الآثار والتاريخ القديم واللغات السامية في عدد من الجامعات البريطانية والعراقية. من أشهر أعماله ” عظمة بابل 1962، الحياة اليومية في بابل وآشور 1965، قوة آشور 1984، الحضارة قبل الإغريق وروما 1989″.

 

2 – ناقد وكاتب عراقي مقيم في أستراليا. له أكثر من 45 كتاباً مطبوعاً ما بين موّلف ومترجم.

 

3 – أستاذ اللغة الأكّدية كلية الآثار جامعة الموصل.

 

إقرأ أيضا