صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

التنمية البشرية كذبة

صورة الدجّال الذي يجلس في غرفة نصف مظلمة، وفي قبالته بخور يزجره بلغة مسجوعة لم تعد هي صورة الاستغفال المعاصر، فمفاهيم الشعوذة اختلفت كثيرا ولم يبق من تلك الصورة الكلاسيكية شيء للأسف

صورة الدجّال الذي يجلس في غرفة نصف مظلمة، وفي قبالته بخور يزجره بلغة مسجوعة لم تعد هي صورة الاستغفال المعاصر، فمفاهيم الشعوذة اختلفت كثيرا ولم يبق من تلك الصورة الكلاسيكية شيء للأسف. صورة الدجّال اليوم الظلمة بالضوء والدمامة بالوسامة والملابس الواسعة والدكناء بالـ”القاط والرباط”، أقول للأسف وأجزم ان المشعوذ القديم أفضل لنا كثيرا. مشعوذو هذا العصر هم جمهور “التنمية البشرية”، بأناقتهم ولباقتهم وقدرتهم على الاستشهاد بكل قول لا يمكن التأكد من مصدره، بل الاتكاء على شهادات ووثائق لا تمت للحقيقة بصلة، يتحدثون عن تنمية الذات وتطويرها وتحسينها ولا أفهم الغاية من استخدام ثلاثة مصطلحات لتأدية غرض واحد، يتحدثون عن تطوير القدرات والخبرات والامكانيات في مباراة لغوية يفوز بها من يملك القدرة على الحشو واللغو أكثر، لا ينتمون لعلم ولا فلسفة ولكنهم يتحدثون عن الحضارة وحسن التدبير والتخطيط والستراتيجيات في حشو آخر.

 

في العراق، وتحديدا بعد التغيير، وصل غزو هذا المفهوم الفضائي – تناصا مع مصطلحات د. حيدر العبادي – بشكل هائل وبات مصطلح الخبير في البرمجة اللغوية او المدرب العالمي في التخطيط الستراتيجي او حامل شهادة الدكتوراه من “………… ضع ما يعجبك………….” في التنويم الايحائي أمرا عاديا، بل انك تفاجأ بصديق يدير دورات لتعليم تطوير الذات.

 

المفارقة التاريخية ان مئات المنظمات المسجلة في دائرة المنظمات غير الحكومية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء من هذا الصنف، بل ان أكثرها تسلم تمويلا من الاتحاد الأوروبي ومنظمة USAID الأمريكية والتي بلغ تمويلها بين 2009 و2013 في العراق فقط 9 ملايين دولار لا يعرف أحد أين ذهبت او كيف تم تطوير ذاتنا بها؟

 

كل ما تقدم يمكن وضعه في سياق الفساد المالي والإدراي والمعرفي والأخلاقي في العراق كي لا يكون عجبا ويمكن السكوت عليه وتمريره، إلا ان هناك بعض الملاحظات التي يجب الانتباه لها بخصوص الجانب الديني في التنمية البشرية، وتحديدا صلة العرب المنتمين لهذه البدعة بجماعة الاخوان المسلمين، فقد عرف عن إبراهيم الفقي أشهر العرب الذين تداولوا هذه الكذبة وأسسوا لها عبر عقود علاقته بالجماعة، بل ان مرشد الاخوان أبرق معزيا بوفاته بكلمات تقطر أسى وحزنا. يمكن وضع الاخواني الكويتي طارق السويدان والاخواني السعودي أحمد الشقيري في المقاربة نفسها كونهم من دعاة التنمية البشرية، وهو ما يستحيل ان يأتي مصادفة، خصوصا ان هناك مئات الأسماء الاخوانية الأخرى التي تشتغل في ذات الحقل.

 

لغة مدونة التنمية البشرية ليست مهتمة باقناعك بقدر ما هي مهتمة بغسل مخك وهي تقودك عبر الاستشهادات الى منطقة الدين في النهاية، وعلى مستوى المؤلفات فانت تجد آلاف الكتب المطبوعة بطريقة أنيقة وبأحجام كبيرة لا تمت لأي واقع بصلة، ولا أي حياة حقيقية بامتداد.

في حال صادفتك عناوين مثل لغة الجسد وإدارة المشاعر والتفكير الإيجابي وإدارة الوقت وتنمية مهارات التفكير فاحذر إني لك من الناصحين.

 

إقرأ أيضا