توجه للتيار الصدري مؤخرا انتقادات تتسم اما بالسذاجة او الانحياز لطرف من اطراف “العملية السياسية الطائفية”، النمط الأول المنحاز لـ”العملية السياسية الطائفية”، مفهوم ضمن تقاليد الصراع الحزبي العشائري داخل الصف الواحد، اما الثاني فهو يعكس نكوصا عاما مريعا في الوعي المجتمعي، ولدى النخبة العراقية اذ هو يتخيل ان بالامكان عزل مادة العملية السياسية الحالية، او بعض اجزائها عن بعض، او افتراض صدور افعال عنها من خارج طبيعتها، اظن اننا كنا اول من عين طبيعة “العملية السياسية الطائفية” عام 2003 وبعد شهر على سقوط النظام الصدامي في مقال لنا نشر في مجلة “الاداب” اللبنانية، حينها ذهبنا الى ان مايجري اليوم هو تصدر “قوى ماقبل الدولة” المشهد السياسي السلطوي، وهي دكتاتورية مشتركة وضعت في مكانها الذي احتلته بقوة الاحتلال الاجنبي، اي ان العراق لم تعد فية دولة، لان شرط وجود دولة على نمط الدول المعروفة في العالم حديثا، يتطلب شروطا لاتتوفر اليوم في العراق، فقوى ماقبل الدولة يمكن ان تسطو على الدولة، ويمكن ان تحولها الى “غنيمة” وتمارس الفرهود، وتسرق خلال 13 سنة، قرابة الف مليار دولار من المال العام، وتمارس المحسوبية والفساد،وتسلم قرابة نصف مساحة البلاد لداعش دون ان تحاسب، وكل هذه اعمال مضادة للدولة، مثلما ان تصرفات التيار الصدري الحالية لها طابع مضاد للدولة، الاناء الذي فيه ماء لايمكن ان ينضح دبسا، والذي فيه عسل لن ينضح خروبا، والذي فيه “ماقبل الدولة” اي قوى العشيرة والطائفة والعرق، لاينضح “دولة” ولا ديموقراطية أبدا.
بعض الساذجين، لا يعرفون البعد الموضوعي التاريخي لنشوء الدول الحديثة، يتصورون ان وجود ورقة اسمها “الدستور”، وضعها المحتل، تمثل بالفعل النصاب الاجتماعي في بلاد الشرائع الاربعة الكبرى، والمنظور الكوني الابراهيمي اول وابقى واعلى رؤية كونية في التاريخ، وهؤلاء يتصورون ان الدولة الديموقراطية الحديثة، ممكنة بدون انقلاب مجتمعي تاريخي مثل الثورة البرجوازية الحديثة في الغرب، او عصر انوار استمر لخمسة قرون قلب المفاهيم رأسا على عقب وغير الفرد والمجتمعات، وقلبها، ناقلا إياها من عصور الاقطاع والمقاطعات الى الوطن والمؤسسات والدولة، هذا النمط من الساذجين الذي يتصورون الديمقراطية “تبشير” وتثقيف، ومقالات تحكي عن الدستور والالتزام به من قبل جماعات لاتعرف ماهو الالتزام بالدستور، ولا الوطن، ولا الدولة، ولا المصلحة الوطنية العليا، ومن ضمنها بالطبع التيار الصدري الذي يهاجم اليوم مقرات شركائه في الفساد وممارسة النهب والمتاجرة بـ”الاصلاح”، لن تنضح “العملية السياسية الطائفية” بكل تلوناتها ووجوهها المتعددة التي تمثل كليتها وكمالها، ومنهم الوجه الثاني لها، التيار الصدري، سوى المهازل، وسوى الابتعاد يوما بعد يوم عن الوطنية والاستقرار، واحترام ارادة ومصالح البلاد والشعب.
هذا قدر العراق في زمن قوى “ماقبل الدولة” التي لايمكن، لابل من المستحيل ان تنتج مايضادها.. ومايضادها وتضاده كليا هو “الدولة”.