الجزء الثاني: كاظم حبيب مع المرجع “المدني” السيستاني وضد “الفرمان الصفوي”!

نضع جانبا مقالة كاظم حبيب التي عنوانها “المغزى السياسي والاجتماعي لمشاركة الصدريين في مظاهرات الشعب”،…

نضع جانبا مقالة كاظم حبيب التي عنوانها “المغزى السياسي والاجتماعي لمشاركة الصدريين في مظاهرات الشعب”، والتي علقنا عليها في الملاحظات السالفة، ونتناول أخرى بعنوان (ماذا يريد المتظاهرون.. وماذا يريد المناهضون لهم؟).

 

لنقرأ في بدايتها أن كاظم حبيب يعلل مشاكل العراق ومعاناة العراقيين كلها (بطبيعة النظام السياسي المحاصصي الطائفي والإثني القائم وبقوى الإسلام السياسي الحاكمة التي اعتمدت على قاعدة غير ديمقراطية وتوافقية مخلة في حكم البلاد وضد مصالح الشعب، وهي التي شوهت العملية السياسية وأبعدت فئات المجتمع عن الحكم).وهذه مفاجأة كبرى تستحق هلهولة “زغرودة” حرى. ولكننا سنستعيض عن الهلهولة بالأسئلة: منذ متى اكتشفت يا سيد كاظم حبيب، أن طبيعة النظام المحاصصي الطائفي والإثني القائم وأن قوى الإسلام السياسي الحاكمة هي السبب في الخراب السائد منذ ثلاثة عشر عاما؟ ألم تُنَظّر انت وجماعتك لهذا النظام وتشاركوا فيه منذ الأيام الأولى لمجلس الحكم الذي أسسه بول بريمر والحكومات التالية التي شاركتم فيها بوزارات ومديريات عامة واجتماعات دورية على مستوى القيادات منها مع نوري المالكي نفسه، الذي بدأتَ أنت بشتمه وبشكل يخلو حتى من رصانة “البروفسور” كما يحب أن يطلق عليك أصدقاؤك، منذ تصاعد خلافاته، خلافات المالكي، مع مسعود بارزاني في خلافهما الشهير – وهو من حيث المبدأ خلاف داخلي بين اللصوص على المسروقات من النفط العراقي- واجتماعات أخرى مع عادل عبد المهدي ولدي صورة للأمين العام لحزبك مجتمعا معه، أما مع علاوي فقد كنتم جزءا من تحالفه “العراقية” قبل أن تنشقوا عليه لأنه طلب منكم سحب وزيريكم من الحكومة تضامناً معه فرفضتم طلبه، إرضاء “للعجل الذهبي”ربما!؟ وإذا كنت ضد الإسلام السياسي فعلا فأين ذهب مديحك لمقتدى الصدر وتياره وحسه السليم الذي صدحت به قبل قليل، أم أنك لا تعتبر التيار الصدري من الإسلام السياسي بل من فصائل اليسار الثوري المؤمنة بـ”دكتاتورية البروليتاريا”؟ ولن أظلمك، فأنت – والحق يقال- قلت عبارة لها مدلولاتها وهي تفيد بأن العملية السياسية (تم تشويهها من قبل الإسلام السياسي وتم إبعاد فئات المجتمع عن الحكم).

 

طيب، هذا يعني أن العملية السياسية بدأت بداية سليمة ومباركة فشاركتم بها وامتدحتها أنت واعتبرت من جاؤوا بها – الغزاة الأميركيين، منقذين ومخلصين ورسالتك المفتوحة في شكرهم على ما قاموا فيه أشهر (من مستنقع على هضبة)، ثم تم تشويهها – العملية السياسية – فاستحقت غضبك الثوري، ولكن متى حدث ذلك؟ أ لم تبدأ العملية السياسية وتستمر حتى الآن مشوهة بل وباطلة وبقوة نيران الاحتلال الأجنبي والدجل الطائفي والعرقي للمشاركين في اللعبة من السياسيين المحليين وأنت في طليعتهم؟ ألم تبدأ هذه العملية على أساس المحاصصة الطائفية ودولة المكونات والدستور الذي كان صديقك حميد مجيد موسى أحد أعضاء اللجنة الدستورية التي كتبته تحت إشراف الخبراء الأجانب ولدي وثيقة بخط يد أحد أعضاء اللجنة تؤكد ذلك (وترتيب السيد حميد مجيد هو السادس عشر إلى جانب عبد الهادي الحكيم ومحسن القزويني وطاهر البكاء وآخرين/ لجنة المبادئ الأساسية)؟ أليس عيباً أن يكذب كاتب معروف ويزور تاريخ وتفاصيل مرحلة ما تزال سارية والناس شهود عليها؟

 

يهاجم كاظم حبيب “النظام الإيراني” و”فرمانه الصفوي” والجنرال سليماني بالاسم لأنهم يريدون إعادة المالكي إلى الحكم. ولو توقف الأمر قليلا عند هذا الاستنساخ لنبرة علي حاتم السلمان (الحليف السابق للمالكي والعدو اللدود له لاحقا) وأمثاله في كلام كاظم حبيب، وصدقنا بأن الإيرانيين أغبياء الى درجة محاولة إعادة حاكم مهزوم ومكروه كالمالكي لهان الأمر، فإيران ليس من مصلحتها زوال حكم المحاصصة الطائفية فعلا، ولكن هل يمكن لها جيوسياسيا أن تغامر بالوقوف ضد هبة شعبية شاملة فتفقد كل شيء؟ ثم لنفترض جدلا أن الزعامات الإيرانية غبية وساذجة الى هذا الحد، ولكن، أن يزج “المفكر الماركسي” كاظم حبيب بنفسه في مشكلة صراع المرجعيات الدينية الشيعية، فيدافع عن مرجعية السيستاني التي يقول بصريح الكلام أنها تريد نظام حكم مدني في العراق، ضد هذه المرجعيات في إيران، فهذا هو الجديد الذي لم يسبق اليه كاظم حبيب أحد من منذ المشاعيين البدائيين الأوائل في عهد جدنا آدم وحتى الآن، هاكم ما كتب (إن مرجعية السيد السيستاني مع المتظاهرين ومع مطالبهم العادلة وضد رغبة الأحزاب الإسلامية السياسية في إقامة دولة دينية فاسدة بالعراق. أولئك الذين يدَّعون العصمة لـ “نوري المالكي!”، وهم بذلك يتجاوزون على الدين ومرجعياته وشيوخه!) وعن تأييد إيران لنوري المالكي يكتب حبيب (وهذا الموقف لحكام إيران يبطش بإرادة الشعب العراقي ومصالحه، كما إنه ضد رأي المرجعية الدينية الشيعية وتأييدها لمطالب المتظاهرين بإقامة دولة مدنية).

 

ومعلوم أن مواقف إيران وتدخلاتها الفظة في الشأن العراقي بلغت درجة الهيمنة الكاملة منذ عدة سنوات، ومنذ كان حزب حبيب ممثلا في الحكومة بوزيرين وليس اليوم، وقد وقف اليساريون العراقيون الوطنيون ضد هذه الهيمنة بكل صراحة وقوة طوال السنوات الماضية مثلما وقفوا ضد التدخلات الفظة لتركيا والسعودية وقطر وغيرها وضد التبعية الشاملة والمباشرة للولايات المتحدة الأميركية فيما كان كاظم حبيب يسلي نفسه بمواضيع تصفيقية أخرى ولكننا أردنا التأشير على مديحه “لمدنية” بعض المراجع ورجال الدين السياسيين، مسجلين أن سخاء كاظم حبيب في توزيع صفات ” المدينة ” والحس السليم واعتناق مبادئ المواطنة الحديثة على رجال الدين والسياسة لم يقتصره على السيستاني بل أنه، وبكل جدية، وجه رسالة مفتوحة سنة 2013 إلى عمار الحكيم وحزبه الذي هو من أكثر الأحزاب اتهاما بالفساد ولا يقل فسادا عن حزب المالكي، مقترحاً عليه (التفكير ودراسة مقترحي بشأن تحول حزبكم “المجلس الإسلامي الأعلى في العراق” إلى حزب مدني يدين بالولاء للمواطنة أولاً وقبل كل شيء، وليس لهوية فرعية مذهبية أو طائفية باعتبارها هوية أساسية ورئيسة./ رسالة مفتوحة من حبيب الى الحكيم/ الحوار المتمدن)، فهل ثمة “هَبَل” فكري وسياسي أكثر من هذا؟

 

ننتقل إلى مقالة أخرى لكاظم حبيب بعنوان (كيف يفترض مواجهة القوى المناهضة للإصلاح؟) فنقرأ في ربعها الأول ردحة سريعة في مديح العبادي والمرجعية معا، ردحة مصاغة بلغة غريبة كأنها خارجة توا من قاعة “الزورخانة = مصارعة شعبية قديمة في العراق”. لنقرأ ما كتب المفكر كاظم حبيب (حين صدرت الحزمة الأولى من الإصلاحات التي طالبت بها أوساط واسعة من الشعب وأيدتها المرجعية الدينية الشيعية واعتمدها رئيس الوزراء، أصيبت كل القوى المناهضة للتغيير بضربة شديدة على يافوخها فطار صوابها وارتعبت من العواقب الرفض، فأيدت دون تحفظ كبير الإصلاحات)! بعيداً عن لغة اليافوخ واللغاليغ، نسجل أن حبيب ليس دقيقاً هنا، فهو يجعل حزمة الإصلاحات مجهولة المصدر، لم يفعل العبادي شيئا سوى أنه اعتمدها بعد أن أيدتها المرجعية. والحال ليس كذلك كما يعرف حبيب، وتكفي مراجعة سريعة لوسائل الإعلام و ما نشرته في يوم صدور حزمة الإصلاحات التي قدمها العبادي لنعرف مصدرها وهو العبادي نفسه الذي قدمها الى مجلس الوزراء فاعتمدها المجلس وتم تحويلها الى البرلمان، فهل يمتلك كاظم حبيب معلومة أخرى مختلفة عن مصدر هذه الحزمة؟

 

يزكي كاظم حبيب دستور دولة المكونات والمحاصصة الطائفية فيكتب ( يتحمل السيد العبادي مسؤولية الاستماع لصوت الشعب، صوت العقل، ويعجل بإجراءاته ويستند إلى الدستور العراقي الذي يرفض الطائفية والمحاصصة الطائفية ) واضح إن حبيب لا يتكلم عن دستور مستقبلي ستتم كتابته بل عن دستور مرحلة بريمر نفسه، وهو حين يصفه بهذه الصفات فهو يهين مئات الآلاف من جماهير الحركة الاحتجاجية المطالبين بتعديل هذا الدستور وحتى بإلغائه هو والبرلمان في بعض المظاهرات و الشعارات. وإذا كان هذا الدستور يرفض الطائفية والمحاصصة كما يزعم الكاتب أفلا يعني ذلك أن النظام القائم منذ 2003 هو نظام غير دستوري ويجب إسقاطه؟ فهل يوافق حبيب على هذا الاستنباط المنطقي أم أنه سيهرب منه كمن يهرب من صعقة الكهرباء محتملة!؟

 

يعود كاظم حبيب لينقح قائمة أعداء الإصلاح الكارتوني الذي يرفع لواءه العبادي فيكتب أنها تضم ( أسامة النجيفي، أياد علاوي، نوري المالكي، وأغلب أعضاء قائمة دولة القانون وبعض مسؤولي الميليشيات الطائفية المسلحة)، إنه لا يكتفي بإدراج اسم عدوه اللدود المالكي بل يدرج معه اسم قائمة الانتخابية بعكس الآخرين، ثم، وكأني به يبتلع قدحاً من زيت الخروع الكريه ،يضيف عبارة ( وبعض القوى بإقليم كردستان العراق) حمدا لله فقد فعلها كاظم حبيب أخيرا وذكر بعض القوى بإقليم كردستان فمن يقصد بهذه القوى في كردستان ؟ هل هي شلالات كلي علي بك أم توربينات سد دربنديخان؟

 

*كاتب عراقي

 

 

إقرأ أيضا