تُرك قضاء حديثة، الذي ظلَّ محاصراً لأشهر بسبب الهجمات المتكررة لتنظيم “داعش” للسيطرة عليه، للقدر الذي أخذ أوجها عدة، وليس آخرها الجوع.
ويشعر سكّان حديثة، الذين ضحّوا بنحو 500 شاب من ابنائهم في المعارك مع “داعش”، بأنهم متروكون للموت، إذ لم يصلهم الغذاء والعتاد، بالرغم من المناشدات المتكررة للمسؤولين والسكّان فيها منذ أكثر من شهرين بنفاد كل الأغذية في المدينة.
وقال الشيخ ضاحي الحديثي، أحد وجهاء مدينة حديثة، “يبدو أن رئيس الوزراء حيدر العبادي غير مهتم لموت أهالي حديثة بسبب الجوع، رغم كل الاستغاثات والمناشدات منذ أكثر من ثمانية أشهر، فضلاً عن غياب كامل لدور وزير التجارة محمد الكسنزاني”.
وكان معتمد المرجع الديني السيد علي السيستاني قد كشف في 9 اذار مارس الحالي، عن إقامة جسر جوي بين بغداد ومطار حديثة، مستخدما طائرات الهليكوبتر، بالاضافة الى أسطول بري يمتد لمناطق البغدادي وقاعدة عين الأسد لإيصال المساعدات الانسانية للمناطق المحاصرة ومنها قضاء حديثة.
وأشار الحديثي في حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “الحكومة قادرة على إيصال المواد الغذائية والإنسانية إلى حديثة مثلما تقوم بإرسالها من بغداد إلى قواتها في المنطقة الغربية في قاعدة عين الأسد، مثلاً وغيرها”.
الحديثي الذي بدا حانقاً على الحكومة، رأى عشرة أفراد من مدينته يموتون جوعاً.
وأكد صباح كرحوت، رئيس محافظة الأنبار، وفاة عشرة مواطنين من أهالي حديثة بسبب الجوع.
وحمَّل كرحوت، الذي ناشد الحكومة من خلال “العالم الجديد” قبل شهرين من الآن بتوفير الغذاء، “وزير التجارة محمد الكسنزاني مسؤولية نفاذ المواد الغذائية في القضاء”.
وأوضح كرحوت في حديث لـ”العالم الجديد” أن “المدنيين الذين قضوا بسبب الجوع غالبيتهم نساء وأطفال، وأنَّ نقص المواد الغذائية وصل إلى مرحلة خطيرة في المدينة، حيث استنفذ الأهالي كل ما لديهم من مواد غذائية”.
وشدد رئيس مجلس المحافظة على “ضرورة إيصال المواد الغذائية إلى مدينة حديثة بشكل عاجل وفوري”، مناشداً “الحكومة المركزية بإنشاء جسر جوي لإيصال المواد الغذائية والإنسانية لتفادي كارثة إنسانية”.
وتوقّع بعدم وصول الغذاء أن تشهد ناحية البغدادي أمراً مماثلاً لأن أهاليها “يعيشون ظروفاً قاسية ومأساوية للغاية”.
ووصف باسم ناجي، قائم مقام حديثة السابق، وأحد وجهاء المدينة، الوضع في المدينة بأنه “كارثة إنسانية كبرى”.
وقال في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “مدينة حديثة تعاني منذ ثمانية أشهر من حصار شديد على ما يقرب من 100 ألف نسمة، ولم يدخل المدينة إلّا النزر القليل جداً من المواد الغذائية طيلة تلك الفترة”.
وأوضح ناجي أن “جميع الطرق المؤدية إلى المدينة مقطوعة.. وبقي منفذ واحد فقط بين حديثة والبغدادي المرتبطة بقاعدة عين الأسد الجوية، ولكن بكل أسف الحكومة تعتبر موضوع حديثة ثانوي تماماً رغم أن المدينة تستغيث منذ ثمانية أشهر ولا من مجيب”.
وتابع ناجي “بالنسبة للمواد القليلة جداً التي وصلت إلى المدينة قبل أشهر هي عبارة عن قنينة زيت وخمس كيلو غرامات من الطحين لكل عائلة، بما لا يكفي ليوم واحد، فهل يعني أنَّ متطلبات العائلة هي الطحين والزيت فقط مثلاً، وبهذه الكمية الضئيلة التي لا تسد حاجة العالة ليوم واحد فقط”.
وأشار إلى أنه “بدأ الناس يهاجرون من المدينة، ولكن بقي من لا يمتلك القدرة على النزوح بسبب الفقر ونفاد المدخرات في هذه الظروف الصعبة”.
ولفت إلى أن “أطفال المدارس بدأوا يسقطون فجأة في صفوفهم وبعد نقلهم إلى المستشفى يتبين أن أحدهم لم يأكل منذ يومين أو ثلاثة”، موضحاً أن “الناس في حديثة بدأوا يأكلون الحشائش لانعدام المواد الغذائية في المدينة بشكل كامل إلى درجة أن كثيراً من العائلات بدأت تستغيث بسبب هذه الحالة منذ أشهر والناس تطبخ الحشيش لإطعام أطفالها دون جدوى”.
وحذر ناجي من استمرار صمت الحكومة المركزية أمام هذه الكارثة، وقال “إذا لم تقم الحكومة المركزية بشكل فوري بنجدة أهالي حديثة وإيصال المواد الغذائية إليهم فسيموت العشرات من الأهالي بسبب الجوع”.