رافقت موجة من الترحيب قدوم رئيس الوزراء حيدر العبادي ووصوله الى رئاسة الجهاز التنفيذي في العراق منذ خريف العام 2014 خلفا لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي. ومع ان الشخصيتين ينحدران من جبهة الاسلام السياسي الممسكة بالحكم طيلة السنوات الماضية بل اكثر من ذلك من حزب واحد وهو حزب الدعوة الذي يقود الحكومة العراقية منذ العام 2005 على الرغم من ذلك الا ان العديد من المتابعين كانوا يتوقعون انفراجا في الملف السياسي بقدوم شخصية اكاديمية مثل حيدر العبادي قضى وطرا من عمره في العاصمة البريطانية لندن وقبل كل شيء فهو ينحدر من عائلة بغدادية معروفة.
لكن تلك الامنيات تبخرت شيئا فشيئا، فالعبادي حظي بدعم لم يتسنّ لاحد من قبله، حيث دعمه الشارع العراقي في مظاهرات عارمة ودعمته المرجعية ايضا بسلسلة من المواقف، لكن ذلك الدعم لم يدفع الرجل لتقديم اداء افضل مما قدمه حتى الان.
تصريحات العبادي الضاربة عادة تكون للاستهلاك الاعلامي لا غير، فحزم الاصلاحات التي اطلقها فشلت واحدة تلو الاخرى.. فبعد عودة نواب رئيس الجمهورية الى مزاولة مهامهم والتأكد من ان الوزراء الذين قلصت وزاراتهم يستلمون مستحقاتهم كما ينبغي ثم الارتباك الواضح على الرجل خصوصا تجاه الكتل التي اوصلته الى الحكم، ناهيك عن الغموض الذي يرافق بعض خطواته دون ان يصدر توثيقا منه يضع النقاط على الحروف، كما حصل مثلا مع الاتفاق النفطي مع اربيل والذي لازال غامضا حتى الان واعلنت وزارة النفط فشله قبل مدة، اضافة الى التغييرات التي حصلت في الامانة العامة لمجلس الوزراء وتعيين عماد الخرسان في منصب مهم بالأمانة وهو خارج سياقات التفاهمات الحاصلة هكذا يبدو ظاهريا على الاقل.
عن تلك التطورات تحدث لـ”العالم الجديد” مجموعة من المتابعين للشأن العراقي حول ما اذا كانت حزم الاصلاح مجرد مناورة من الاخير ام ان جدية العبادي اصطدمت بمواقف الكتل السياسية الرافضة؟ وهل كان بإمكان العبادي العمل بشكل افضل مع دعم الشارع والمرجعية؟
الكاتب والصحفي مازن الزيدي وفي حديث لـ”العالم الجديد” يعتقد ان “اصلاحات العبادي كانت تنطوي على اهداف مزدوجة” وبحسب الزيدي فان الاهداف جاءت كما يلي: “التخلص من الخصوم وابرزهم المالكي، ثم توسيع دائرة شرعيته السياسية والافلات من ضغوط الكتل السياسية التي رفعت من انتقاداتها له على خلفية اخلاله بالتفاهمات التي تشكيلته وفقها حكومته” اما الهدف الثالث فهو “مواجهة الازمة المالية الحادة عبر سلسلة اجراءات تقشفية اتضح ان كلفتها اكبر من الناحية المالية والسياسية”.
وذهب الى ان “النقطة الاخيرة بالذات وجّهت ضربة قاضية لحزم الاصلاح وشجّعت الكتل على انتقادها بذريعة مخالفتها للدستور”. نعم “ان مجرد الاقدام على اطلاق حزم الاصلاح تكشف عن جرأة نادرة تحلى بها العبادي، لكن مفعول الاصلاحات بدأ بالتراجع عندما ركبت بعض الاطراف السياسية الموجة وسعت لتحويل الاصلاحات لتصفية خصوماتها السياسية لإبعاد الخطر عنها”.
اما المحلل السياسي امير جبار الساعدي فيذهب الى ان العبادي ولا غيره الانطلاق “بإصلاح حقيقي وبإجراءات عملية تلامس حقيقة خطر فساد المؤسسة السياسية والحكومية التي اصبحت تعتاش بشكل دوري مثل “الأميبا” طفيليا” وذلك لان تلك المؤسسة “تحمي نفسها وعند استخدام المضادات تتحصن بشكل ذاتي ضد هذه المعالجات، فخطر تقويم العملية السياسية يكمن بعدم وحدة عمل وبرنامج اصلاحي سياسي حقيقي” الساعدي يؤكد ايضا “ان العبادي حظي بتأييد الشارع ولكن لم يرتق لاغلبية الشارع ومع تعنت الكتل السياسية وخصوصا المرتبطة بسلطات اقليم كردستان اصبح العبادي في حيرة من امره”.
من جهته فان الكاتب والصحفي مصطفى ناصر يعتقد ان “كل الاصلاحات التي اعلنها العبادي لم تكن محسوبة على الاطلاق”.
وأضاف ناصر “بعضها ادى الى خلق اعداء له، وبعضها ادى لشل الحكومة والاداء الوظيفي، فلم يستفد من دعم الشارع والمرجعية لدفع الاصلاحات بقوة، ولم ينضج حتى حزم الاصلاحات بشكل جيد لكي تبدو منطقية”، منوها الى ان “كل ما تحقق من حزم الاصلاحات هو تخفيض مرتبات الدرجات الخاصة وموظفي الرئاسات وفقط، بل بعضهم تسلم ما تم استقطاعه منه من تخفيضات”.