في مثل هذه الأيام من المحرم سنة 61 للهجرة تقابل تياران في الأمة، أحدهما يدعو الى الخير، والحرية، والحياة الكريمة.. يدعو الى الإباء والعزة.. يدعو الى أن تكون المبادئ الإنسانية، وحقوق الإنسان هي القيم السائدة في المجتمع ولو أدى ذلك الى التضحية بالنفس في مقابل تيار آخر يدعو الى الخنوع، والاستسلام للحاكم الجائر.. يدعو الى سحق وامتهان كرامة الإنسان، وتغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة.. يدعو الى تغييب العقل وتسطيح الوعي. جسّد التيار الأول سبط رسول الله (ص) الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وصحبه الكرام، أما تيار الانهزامية والانتهازية والتخلف فقد مثله رأس السلطة الحاكمة آنذاك يزيد بن معاوية وحزبه.
ويحلُّ يوم عاشوراء وتمر ساعاته ثقيلة بأوزار ما ارتُكب فيها من جرم عظيم.. مرت وهي مضمخة بدماء آل رسول الله (ص).. مرت لتعلن انتصار القيم الإنسانية الخيرة على قيم الجاهلية والمصالح الضيقة والأساليب الدنيئة.. انتهى يوم عاشوراء من سنة إحدى وستين للهجرة لتبدأ مسؤوليتنا نحن في فهم رسالة عاشوراء فهما ينسجم مع أهدافها ونبل وشهامة قائدها، واستيعاب ما تحمله من قيم الخير والإصلاح، وأن لا نكون ممن يبخس هذه الرسالة حقها وذلك بتحجيمها وتقزيمها، وحبسها في زاوية الحزن والمأساة. او ربما ساهمنا من حيث لا نشعر بإفراغها من مضامينها من خلال بعض الممارسات الخاطئة تحت مسمى الشعائر، بل لننطلق بها رسالة حب وخير الى البشرية جمعاء لتمسح غبار التعب عن جباه المحرومين، وتخفف المعاناة عن كاهل المضطهدين، وتدخل السرور والفرح في قلوب المحزونين.
إن فهمنا الصحيح لرسالة الحسين (ع) يحتم علينا أن نجعل من حزننا وطقوسنا في هذه المناسبة جسرا للتواصل مع الآخر لا للقطيعة معه والإنكفاء على الذات. فالحسين (ع) سعى أن يوصل صوته الى الإنسان أينما كان وفي أي زمان وُجِد.. دماء الحسين (ع) أعلنت صرخة يوم عاشوراء لا ينبغي أن نحبسها في حدود طائفة أو مذهب.. ها هي تصرخ عبر القرون.. تصرخ فينا: ترفعوا عن روح الحقد والانتقام.. تحلوا بالصدق.. أدوا الأمانة إلى كل من ائتمنكم حتى لو كان من دين آخر.. التزموا بالعفة.. أحبوا الخير للآخرين حتى لو كانوا من غير ملتكم..
أيٌها الشباب الحسيني يامن تفتخر بانتمائك لمدرسة الحسين (ع) هذه هي رسالة الحسين.. أن تكون حسينياً يعني أن تتحلى بقيم الحسين (ع) التي كان يدعو لها حتى وهو صريع على تراب كربلاء، وبذلك تكون قد قمت بتحمل المسؤولية خير قيام. فلا تجعل من يوم عاشوراء مناسبة للفرقة والعصبية، بل مناسبة للتزود من مبادئ وقيم مكنوزة في الثورة الحسينية، يقول الشاعر:
أرجفوا أنك القتيل المدمى أومن يُنشأ الحياة قتيــــــــــــــل
ويموت الرسول جسما ولكن في الرسالات لن يموت الرسول