في مزاد تاريخي بامتياز بيعت احدى لوحاته عام 2012 بمبلغ قياسي وصل الى قرابة 120 مليون دولار، انه ايقونة الفن الاسكندنافي الفنان النرويجي الشهير ادوارد مونك ” Edvard Munch” الذي اثارت لوحاته جدلا فنيا في شمال الكرة الارضية.
حينما كنت انقل خطواتي في احد اشهر الاحياء الباريسية وهو الحي اللاتيني تتردد بين الحين والاخر لوحته الشهيرة “شارع لافييت” لصيقة كانت بتلك المدينة كما هو الحال مع روائع البؤساء، احدب نوتردام والعديد من لوحات بيكاسو التي رسمها في باريس.
وحينما هبطت بنا الطائرة لاول مرة في العاصمة النرويجية اوسلو تذكرت قبل ان اتذكر اي نرويجي آخر.. الرائع “ثور هايردال” والفنان “ادوارد مونك”، لكلا الاثنين متحف خاص به في زوايا اوسلو.
الفتى الذي ولد لعائلة نرويجية متدينة حاولت ان تزرع فيه الضوابط الدينية لم ينسجم مع رغباتها، وانساق هائما مع تحولات اجتماعية وفكرية غريبة، غرابة التجربة في حياة مونك لم تكن بعيدة عن جنون الفن ونزعاته اللامفهومة، اللامنطق يبدو منطقيا تماما في سيرة حياة اشهر الفنانين على مستوى العالم.
لكن ذلك الجنون والهوس الفني زرع في مونك بذرة الابداع، لقد تجلى هوسه جملة من الروائع اشهرها لوحة “الصرخة” التي بيعت احدى نسخها الاربع عام 2012 بحوالي 120 مليون دولار وهو رقم غير مسبوق لاعمال فنية من هذا النوع.
يتحدث مونك عن ارهاصات لوحته الاشهر ويذكر انه استوحاها من متغيرات طبيعية مخيفة حصلت له حينما كان يتمشى بمعية اصدقائه في شتاء العام 1892. هول التغيرات المخيفة التي حصلت في السماء زرعت بداخله صرخة من الخوف.. عبّر عنها بتلك اللوحة الملفتة.
يتحدث الكثيرون عن الصرخة لكن لمونك اعمال اخرى لا تقل اهمية وروعة، من بينها اوحة “فتيات على الجسر”، تلك اللوحة تبدو من قلائل الاعمال التي بدى فيها مونك متفائلا بعض الشيء بالمقارنة لعشرات اللوحات الاخرى التي طغت فيها روح الياس والاكتئاب. اللوعة والقلق رافقت مونك في اغلب اعماله، ربما يعود ذلك الى ما مر به من ألم ومرارة في بدايات حياته، اذ توفيت امه مبكرا، لاحقا توفي ابوه ودخلت شقيقته مصحا عقليا، قسوى الايام ربما تكون سببا منطقيا ايضا للتحولات الاجتماعية والفكرية التي مر بها مونك في شبابه.
ولد مونك في 12 كانون الاول عام 1863 وتوفي في 23 كانون الثاني
1944، التقارب بين ذكرى ولادته ووفاته يدفع النرويجيين الى استذكاره على مدار شهرين سنويا، يعتز به ابناء شعبه كثيرا، هناك جائزة سنوية توزع باسمه، العديد من الفعاليات الثقافية والفنية تقام على شرف ذكراه، اكرمته الخطوط النرويجية ايضا بوضع صورته على متن احدى طائراتها كما فعلت مع المتميزين من بقية البلدان الاسكندنافية.
ان لوحات مونك التي تتوزع على اشهر متاحف اوسلو وبقية مدن العالم تمثل عوامل استقطاب استثنائية جدا للسياح ومحبي الفنون، ويكاد يشابه الزحام حول لوحة الصرخة في المتحف الوطني للفنون بأوسلو الزحام الذي يحصل بالقرب من رائعة الموناليزا في متحف اللوفر بباريس.