صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

السرقة المقدسة

الأمر لا يشبه الطعنة من الخلف بل أسوأ وأشدّ مرارة، جندي تساقط من حوله أصدقاؤه شهداء وهم يقتلعون الأرض من تحت أرجل داعش، وعلى جسده أختام الدم وأشباح التراب المتزاحمة، يحارب لأنه يرى تهديدا وجوديا يسير نحوه ونحو عائلته وإخوته، ولكن خلف جدران السياسة الغليظة، تلك التي لا تمرر أصواتنا ونظراتنا الحادة كخناجر الثأر، يكمن رجل آخر يرتدي سعادة مغزولة من عذاباتنا ويجلس خلف خشب صبرنا الداكن من احتراقه الداخلي، يتبختر بين مريديه وما لم يملك يمينه يوما بجيوب عامرة،…

الأمر لا يشبه الطعنة من الخلف بل أسوأ وأشدّ مرارة، جندي تساقط من حوله أصدقاؤه شهداء وهم يقتلعون الأرض من تحت أرجل داعش، وعلى جسده أختام الدم وأشباح التراب المتزاحمة، يحارب لأنه يرى تهديدا وجوديا يسير نحوه ونحو عائلته وإخوته، ولكن خلف جدران السياسة الغليظة، تلك التي لا تمرر أصواتنا ونظراتنا الحادة كخناجر الثأر، يكمن رجل آخر يرتدي سعادة مغزولة من عذاباتنا ويجلس خلف خشب صبرنا الداكن من احتراقه الداخلي، يتبختر بين مريديه وما لم يملك يمينه يوما بجيوب عامرة، جاءت به لغته خضراء الورق كي يخدم نفسه قريبا من شعاراتنا باذخة الأسى.

 

تتحرك الأدراج كثيرا بين مشهدي الرجلين، أدراج تمتلئ بالنقد العالمي والتذكرات النسائية الرخيصة، وأدراج تملؤها شهادات الوفاة وأوامر التحرك ذات اللغة الناشفة وأغلفة الرصاص التي يتذكر بها مقاتل صديقه الذي لم يبق منه شيء. تتحرك الأموال أيضا، تتفجر الثروة تحت يد والد المقاتل الذي تؤرقه صورة ابنه البعيد واقتراب موعد التقاعد، ولكن في المنتصف يمدّ السياسي مشافره الرطبة متفاجئا من حسابه البنكي المتضخم كالورم، يتفقده مرارا كسارق يستعد للنوم. في الطرف المحترق من الصورة يضع الجندي قدمه على أرض جديدة ويفصله عن الأمان والراحة والطمأنينة عاصفة شظايا وشبكة من الأجساد الجاهزة للتفتت.

 

إنهم يسرقون الحشد الشعبي باسم الحشد الشعبي. يمنحونهم رصاصا لا يزاحم سعره سرقاتهم، ويطبخون لهم طعاما لا ينافس موائدهم التي تتسع للقوادين والسماسرة، وتتقاطر الرواتب من سجلاتهم المتجددة دوما بما لا يدع مجالا للحبر كي يجف ولا يتيح للأسماء الغائبة عن المعركة بالولادة أو الموت، إذ لم يكونوا من الأساس إلا أرقاما في جيوب كبيرة تعبر بها الطائرات نحو عواصم اللذة الخافتة كلما احتاجت المعركة الى اسماء.

 

الظلام يشتد في مكانين، فضاء الحرب الشاهق بأصوات انفجاراته، وغرفة الفندق الأوربي التي تعاني من أرق النزوات ورئاتها تختنق بلهاث مسعور. إنهم يستبدلون دماءنا بأسرّة طرية وخلف خطوط القتال يفكر القادة بغنيمة يفترسها الأقربون منها ومنّا.

 

نعم، لن تنتهي قريبا الأرصدة الخبيئة ولكن داعش سيذوب منحلا في بحر دمائنا. لمن ستغني البنادق التي لا تعرف الاعتزال آنذاك؟! والرصاص.. من سيمحو ثأره المسجل في دوائر العقارات وعقود الشركات وايصالات السفر البعيد؟!.. من سينجو من حنق المسروق من نزفه؟! وأي باب سيكفي إغلاقها لصد طوفان وجد منابعه خاوية؟!

 

إقرأ أيضا