هلسنكي- جمال الخرسان
الشاعر عواد العابدي ولد عام 1952 في ضواحي قضاء الشامية التابع إداريا لمحافظة القادسية، كان من الوجوه البارزة في إنتفاضة عام 1991، خرج من العراق هو وعائلته في نفس العام لتكون وجهته الى السعودية حيث مخيم رفحاء، بقي هناك حتى عام 1995 وفي نفس العام شاءت الأقدار أن ينتقل للعيش في فنلندا. أصدر الشاعر ديوانا شعريا تحت عنوان ( ليل بلا نجوم )، عن ديوانه وتجربته الشعرية جاء الحوار التالي:
– متى كانت بداياتك الشعرية ؟
كانت البدايات في المراحل الدراسية الإبتدائية حيث كانت عندي رغبة في ذلك الوقت ان اكتب الدارمي وبعض المقطوعات الشعرية، ومنذ كنت أحفظ المحفوظات في المدرسة كان لدي دافع ان اكتب الأشعار ويطلع عليها بعض المعلمين، اتذكر كنت اكتب الدارمي بشكل جيد والقصائد بشكل بدائي وهكذا شيئا فشيئا نضجت التجربة الشعرية.
– في بداياتك هل تأثرت بشاعر او لون شعري محدد ؟
ابدا لم اتأثر بشاعر معين ولم اكن اقرأ الشعر، الشيء الذي اختلف فيه عن بقية الشعراء، قد يكون ذلك خلافا للمألوف والبعض قد لا يصدق ان يولد شاعر يكتب الشعر ويستهويه الشعر دون ان يتأثر بأسماء شعرية معينة او يلتقي بأحدهم. خصوصا وان ظروفي الإجتماعية والمعاشية في بداية حياتي كانت قاسية جدا ولم تسمح لي بالإطلاع على النتاجات الشعرية الأخرى او اللقاء بالشعراء الآخرين ولم تكن لدي فكرة اصلا عن الشعراء الآخرين. وانما تجربتي الشعرية هي مجرد إرهاصات ورغبة ذاتية ليست لها علاقة بالمحيط الخارجي.
– ماهي اكثر الألوان الشعرية في الشعر الشعبي تفضل كتاباتها؟
اعتقد بأن من يطلع على ديواني وكتاباتي سيجد انّ الطابع الغالب عليه هو القصيدة ذات القافية الواحدة. رغم وجود كتابات بألوان اخرى وقصائد بأكثر من قافية لكن الطابع العام هو القصيدة ذات القافية الواحدة.
– كيف تولد القصيدة بالنسبة للشاعر عواد العابدي ؟
فكرة القصيدة تحددها مجموعة عوامل المكان الحدث او قضية معينة قد تستهويك لكن بعد فكرة القصيدة تأتي القافية لأن بعض القوافي وحروف الروي ليست غنية غير مشجعة لللإستمرار لذلك بعد فكرة القصيدة ابحث عن القافية المناسبة بالنسبة لي. البعض يفضل ان تكون القوافي متعددة وبما انني لا اميل كثيرا لهذا الإسلوب من هنا افضل القوافي الغنية. وهذا اسلوبي الذي لا اعتبره معيبا بأي شكل من الأشكال. إرهاصات القصيدة وولادتها تختلف من شاعر لآخر اما بالنسبة لي فالشيء الأول هو الحدث او الواقعة او القصة التي تواجهني، ثم بعد ذلك ابحث عن القافية والحرف الثري الذي من خلاله استطيع ان امد بالقصيدة، شخصيا اهتم بذلك في تكوين القصيدة وربما يخالفني البعض في ذلك.
– القافية اولا ام القصيدة ؟
فكرة القصيدة سابقة للقافية بلاشك لكن بعد حضور الفكرة ابحث لها عن قافية مناسبة وثرية.
– عشت مهاجرا لفترة من الزمن ولازلت كذلك والهجرة هي بيئة ثقافية اجتماعية سياسية مختلفة عن الوطن فهل لهذه المهاجر المتعددة تاثير على نضوج تجربتك الشعرية وتنوعها ؟
بالنسبة للنضج الشعري فإنه قبل موضوع الهجرة لابد من الإشارة انه بعد مرحلة الإبتدائية التي كانت فيها كتاباتي كتابات ناشئة وبدائية بعد ذلك وفي مرحلة المتوسطة تطور عندي الحس الشعري بشكل كبير فجاءت الكتابات اكثر نضجا واكثر ضبط لموازين الشعر، وكنت في تلك الفترة اكتب الشعر للمواكب الحسينية واتذكر تحديدا اول محرم بعد نكبة 1967 كتبت قصيدة اثارت ضجة حينها لازلت احفظ مقطعا مثيرا منها :
( واشنطن وبون العميله ولندن *** شنو قصدهن بالغدر واشيردن *** دوم لعصابات اليهود ايأيدن ) منذ تلك الفترة اخذت التجربة تنضج، لكن ظروفا سياسية معينة في تلك المرحلة جعلتني اجمد شعري ولا اكتب الا قليلا وما اكتبه امزقه بعد ذلك وما تبقى من اشعار احرقته امي في احد الأيام واحرقت مكتبتي خوفا علي من الأجهزة الأمنية بحكم موقفي الرافض للمارسات اللا مسؤولة للسلطات انذاك. ولم احفظ من تلك المرحلة الشعرية شيئا الا مقاطع صغيرة متناثرة. فنتيجة للمضايقات التي كنت اتعرض لها جمدت تلك الرغبة الشعرية التي بداخلي ولكن بعد مرحلة الهجرة عادت تلك الرغبة الشعرية من جديد واحسست بحرية اكثر وبإنفتاح اكثر وهكذا بدات شاعريتي تتدفق من جديد بعيدا عن الرقيب السياسي. كما ان المهجر وفر لي ايضا تنوعا في الموضوعات الشعرية لأن المحيط والبيئة تخلق للشاعر والرسام والفنان صورا شعرية جديدة ومختلفة. لأن في كل بيئة نمطا خاصا من الصور تؤثر في الشاعر، فتوسّع الأمكنة والهجرة يولد صورا جديدة ومتنوعة، لذلك فان الهجرة فتحت امامي افاقا جديدة.
– اصدرت ديوانا كبيرا من 650 صفحة وفيه موضوعات كثيرة ومختلفة الا ان الطاغي فيه الجانب السياسي رغم وجود جوانب وموضوعات اخرى؟
بداية فاني في هذا الديوان حاولت جمع كلما توفر لدي من قصائدي في الشعر الشعبي، مقطوعات شعرية، ابوذيات، دارميات وما شابه. جمعتها بمساعدة بعض الاخوة في ديوان واحد خوفا عليها من الضياع. اما طغيان الطابع السياسي على الديوان. لأني شاعر يحمل رسالة وله حضور سياسي لذلك برز هذا الجانب في نتاجاتي الشعرية.
هل لإنتمائك السياسي تاثير في شاعريتك؟
بالتاكيد لأنك حينما تعيش في بيئة ومحيط سياسي وتكون مقموع ومطارد وتعاني كثيرا في هذا المحيط والموهبة التي عندك تختفي وتحاول كبت ما لديك من مشاعر بسبب اساليب النظام السياسي الحاكم انذاك فانك حينما تجد متنفسا وتنتقل الى بيئة اخرى ينفجر لديك هذا الإحساس والشعور وتحاول قدر الإمكان من خلال إمكانياتك الشعرية استثمار هذه الأجواء لإظهار ميولك ورغباتك وتوجهاتك وما تحب. فيظهر ذلك في نتاجاتك الأدبية وهذا شيء طبيعي.
هل انت شاعر ملتزم؟
نعم انا كذلك وحتى المقدّم الذي قدم للديوان اكد على ذلك رغم انه لم يكن مواكبا لي في حياتي وانما استنتج ذلك من خلال قرائته لديواني.
– كشاعر بعد هذه التجربة الطويلة اين تجد نفسك من الأجيال الشعرية ؟
اؤكد مرة اخرى انا كنت منذ البدايات وحتى هذه اللحظة لم اندمج في اي جيل من الأجيال الشعرية ولم اتاثر بلون معين بل كل ما لدي من شعر وكتابات هو نتاج شخصي وذاتي بعيد كل البعد عن التاثر بالأجيال لذلك اجد نفسي منفصلا تماما عن مبدأ التجييل الشعري فانا خارج سياق التجييل.
– من وجهة نظرك الخاصة اين يقف الشعر الشعبي من الألوان الشعرية الأخرى: العمودي، الحر، قصيدة النثر ؟
جميع الألوان الشعرية في العراق لها حضور ولها جمهور ولها محبون ولكن الشعر الشعبي له حضور استثنائي وله جمهور غفير وله حظوة، احد الإعلاميين كان يقول متهكما: ان الشعر الشعبي مجرد تصفيط كلام! فأجبته: لو صح ذلك لأصبح جميع الناس شعراء.
– رغم انك شاعر ملتزم لكنك تكتب في بعض الاحيان قصائد ومقطوعات غزلية في حرية كبيرة وبعضها اثار ضجة عند الآخرين؟
الشاعر ينبغي ان يكون متحررا فيما يكتب وليس لرغبة هذا او ذاك. السياسي يريدك ان تكتب سياسة فقط والمتحفظون يرديونك ان تكتب بتحفظ وهكذا الآخرون. سألني احدهم: انا مبصر ولا استطيع وصف المراة كما تصف انت.. فكيف لك ذلك؟! فأجبته ان الإنسان سليم البصر يرى الآف الصور بينما انا اركز على توصيف وصورة معينة ومن خلال الصوت قادر على توصيف الصورة الجميلة.
– هل من كلمة اخيرة؟
اشكرك على هذا اللقاء واتمنى للشعر الشعبي مزيدا من النجاح واتمنى على الآخرين ان لا يحكموا على الشعر الشعبي بأحكام جنائية اما لقلة الخبرة او الإطلاع او عدم الرغبة. الشعر الشعبي بلغ مستويات لا يستهان بها فأتمنى النجاح لجميع الشعراء.