صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

العالم الجديد تستذكر قارب دجلة بعد 40 عاما على رحلته من القرنة الى وادي السند

 

لقب عالم الآثار والمستكشف النرويجي “ثور هايردال-Thor Heyerdahl” بـ”رجل العالم” لأنه جال الكرة الارضية من اقصاها الى اقصاها رغبة في اثبات ما توصّل اليه من قناعات تتلخص في ان حضارات الشرق الاوسط وخصوصا حضارات وادي الرافدين وحضارة وادي النيل كانت تتواصل فيما بينها عبر البحار، وتتواصل ايضا فيما بينها وبين الحضارات الاخرى عبر المحيطات في وادي السند وامريكا الجنوبية، وان تلك الحضارات وصلت الى امريكا قبل كولومبس بآلاف السنين، وهذا ما فرضه عليه تخصصه في علم الاعراق.

لذلك الرجل الفذ متحف خاص به في العاصمة النرويجية اوسلو، وله زائرون من مختلف انحاء العالم.. في ذلك المتحف هياكل تحاكي القوارب التي صنعها في بقاع مختلفة من الارض من اجل ان يثبت قناعاته على ارض الواقع، فيه القوارب التي قطع فيها الكاريبي وفيها ايضا التي قطع بها البحر الابيض المتوسط ومن تلك الهياكل ايضا قارب “دجلة” الذي صنعه عام 1977 وقطع فيه المحيط الهندي من اجل ان يثبت بأن السومريين كانوا على تواصل مع الحضارتين الهندية والفرعونية عن طريق البحر وكانوا قادرين على توجيه قواربهم رغم بساطة امكانياتها. جنون الرجل وثقته المفرطة بالسومريين وقدراتهم قادته الى مغامرة مجنونة قضى فيها اربعة اشهر ونصف في البحر بين المحيط الهندي ومنطقة الخليج. بدأ المركب رحلته من مدينة القرنة شمال البصرة ثم شط العرب مرورا بالخليج العربي الى خليج عمان ثم المحيط الهندي الى باكستان حيث حضارة وادي السند، ومن باكستان اكمل القارب دجلة رحلته وسط تلاطم الامواج العاتية، عبر المحيط الهندي الى خليج عدن، وحينما وصل قبالة جيبوتي عند مدخل البحر الاحمر منع هناك من المرور الى البحر الاحمر نتيجة الظروف السياسية المعقّدة التي فرضتها آنذاك تداعيات الحرب الباردة، وبعد ان فشل في اقناع الجهات المانعة بأن مهمته علمية انسانية بحتة قرر هايردال في الثالث من نيسان عام 1978 احراق القارب احتجاجا على ما حصل، وفي ذات اليوم ارسل رسالة الى الامين العام للأمم المتحدة “كورت فالدهايم” يشرح فيها ملابسات الامور ويحتج على ما وصلت اليه الامور بين الامم والشعوب، وكيف ان الحضارات القديمة ورغم ما ساد فيها من حروب وازمات الا انها بقيت تتواصل فيما بينها بشكل او بآخر.

سكان الاهوار يصنعون القارب في القرنة- العالم الجديد
سكان الاهوار يصنعون القارب في القرنة- العالم الجديد

لقد اختار هايردال موقعه بالقرب من ملتقى دجلة والفرات في مدينة القرنة على يسار موقع “شجرة آدم” في الشاطئ المقابل لمنطقة “المزيرعة”. وجلب له القصب والبردي من اهوار “الامارة” الملاصقة لمنطقة “ام الشويج” و”الترابة” قبل ان تتحول تلك القرى والمناطق القريبة منها الى مناطق مغلقة للصناعات النفطية. لمن لا يعرف المكان جيدا ومن لا يمتلك تفاصيل دقيقة عن القصة لن يصل الى ذلك المكان المقصود الا بعد جهد جهيد، فلا اثر دال على الاطلاق، كما ان الشاطئ الذي صنع فيه القارب قد تحول برمته الى متنزه، وميّز منه فقط موقع شجرة ادم بشيء من الخصوصية، بل كتبت حوله توضيحات موجزة حتى باللغة الانجليزية، اما ما عداها فتركته الجهات المعنية الى حافة النسيان. ليست هناك لافتة تشير الى المكان ولا اثر يذكر بالجهود الجبارة التي قام بها هايردال ولا حتى مجسم يخلد تلك المغامرة، الكثيرون يجهلون المكان، عدا كبار السن فإن معظم ابناء القرنة ايضا لا يعرفون القصة برمتها فضلا عن مكان صناعة المركب.

القارب دجلة قبيل انطلاقه- العالم الجديد
القارب دجلة قبيل انطلاقه- العالم الجديد

ما يثير الاستغراب انه لا الجهات المعنية في مدينة القرنة ولا حتى المؤسسات العلمية في محافظة البصرة، ابدت اهتماما بتلك القصة وبذلك الموقع، من يبحث عن تفاصيل تتعلق بالقارب دجلة عليه شد الرحال الى اسكندنافيا حيث متحف هايردال، وكذلك لمن بقي حيا ممن كان على متن المركب، ولا يجد ايّة اشارة لا من قريب ولا بعيد لتلك القصة في الامكنة التي احتضنتها اساسا!!!

قارب سومري في اللقى الاثارية
قارب سومري في اللقى الاثارية

 

موقع صناعة القارب حيث لا اثر يدل على ذلك- العالم الجديد
موقع صناعة القارب حيث لا اثر يدل على ذلك- العالم الجديد

 

مسار القارب دجلة
مسار القارب دجلة
قارب دجلة في عمق المحيط الهندي - العالم الجديد
قارب دجلة في عمق المحيط الهندي – العالم الجديد

إقرأ أيضا