بعد أن شتتتهم الأقدار لأكثر من ثلاثة عقود مضت، وسبغتها الحروب والهجرات، يلتقي مجددا طلبة الأمس السعيد، وهم كهول اليوم، يلتقون في ذات الأروقة والمقاعد التي رسمتها خطاهم قبل أكثر من 30 عاما، في بادرة نادرة واكبتها “العالم الجديد” في كلية التربية بالجامعة المستنصرية.
فهم لم يكونوا يعلمون حين تخرجوا العام 1982 – 1983 بأنهم سيلتقون بعد هذا التاريخ بثلاثة عقود، ليستذكروا من رحلوا منهم، ويبحثون في ملامح الباقين منهم على أثر لتلك الابتسامات الغابرة.
لقد شدتهم اليها الأقدار وألقت بهم في قارعة الحروب المتراكمة، والهجرات المتتالية، وزرعتهم في مجالات مختلفة، لكن مواقع التواصل الاجتماعي تحولت الى ضفاف هادئة لشواطئهم العنيفة، فجمعت عن طريق الصدفة اثنين منهم، والذين أخذا على عاتقهما القيام برحلة البحث عن بقية الزملاء وتنظيم لقاء لهم في المكان الذي ولدت فيه صداقتهم، وهو كلية التربية في الجامعة المستنصرية.
العقل المدبر لهذه الفكرة محمد جبر حسن، والذي يقيم حاليا في هولندا، دفعته رياح الغربة القاسية، وشوقه الى رفقاء الأمس الى البحث بمساعدة صديقه الشاعر شاكر الشرقاوي والذي التقاه صدفة، عن جميع الاصدقاء.
من هنا بدأت عملية البحث عن بقية الاصدقاء بالاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي في الاساس وتواصل زملاء اخرين فيما بينهم ايضا, وفعلا نجحوا في الوصول الى قرابة الـ40 شخصا، واتفقوا على عقد لقاء في الجامعة المستنصرية.
وتحقق لهم ما أرادوا في ١٨ كانون الأول ديسمبر الماضي، حيث توافد جميعهم الى هذا المكان وبعضهم تحمل عناء السفر والمسافات الطويلة، واخر تغلب على مرضه وحضر لرؤية اصدقاء الامس واليوم.
اللقاء شكل مفاجأة جميلة لبعض زملائهم الذين اصبحوا اساتذة في الجامعة المستنصرية وشاركوا معهم اللقاء بعد الاتفاق على ان يكون التجمع سنويا.
صاحب الفكرة محمد جبر حسن عبر في حديث لـ”العالم الجديد” عن سعادته الغامرة لنجاحه في لم شمل اصدقائه بعد فراق دام اكثر من ثلاثة عقود، مضيفا “بعض الاصدقاء يسكن في بغداد والبعض الاخر من محافظات اخرى واخرون هاجروا البلاد منذ سنوات طويلة جدا، لكن رغم ذلك تمكنا من الالتقاء مجددا”، لكنه اعرب عن حزنه واسفه لسماع خبر وفاة بعض الاصدقاء وخصصوا وقتا من اللقاء لقراءة سورة الفاتحة على ارواحهم”.
وتابع “عندما قمنا بالتجول في الجامعة المستنصرية تحدث الينا عدد من طلابها لمعرفة حيثيات اللقاء، وكيف نجحوا في ذلك ووعدوا بتكرار التجربة مستقبلا بعد الانتهاء من دراستهم”.
بينما وصف جميل الخفاجي وهو مدرس فيزياء، اللقاء بأنه اشبه بالحلم، قائلا وهو يذرف الدموع “لم اكن اتخيل يوما وانا انظر الى الصور الجامعية بأني سألتقي مجددا مع هذه المجموعة، فبعد اكثر من 30 عاما نلتقي بروح الشباب كما في السابق”.
وتابع خلال حديثه لـ”العالم الجديد” بالقول “لقد اعطينا درسا للطلاب الحاليين وهم ينظرون الينا والى صداقتنا الطويلة دون التفكير بالانتماءات القومية والعرقية والمذهبية”.