لم تكد تُنسى فضيحة الفساد المالي والمهني في المراكز الثقافية بالخارج والتي أثارتها “العالم الجديد” في سلسلة تقارير سابقة، حتى وضعت الأخيرة يدها على خيوط فضيحة جديدة تخص المركز الثقافي العراقي في طهران.
وتبدأ الفضيحة بحسب مصدر موثوق، من قصة السيارة المحتجزة في أحد موانئ إيران الجنوبية المطلّة على الخليج العربي، والتي تعود لحساب مدير المركز مظفر الربيعي.
ولم يكن لأحد أن يعلم بسر هذه السيارة (نوع تويوتا آيرس ١١ راكبا)، التي تم شراؤها بعلم المشرفين على عمل المراكز الثقافية (وكيل وزارة الثقافة طاهر ناصر الحمود ومدير دائرة العلاقات السابق عقيل المندلاوي)، لولا جهل الربيعي بقوانين إيران التي تمنع استيراد السيارات التي تعمل بمادة الكازوئيل، وتوافق على مثيلاتها التي تعمل بالبنزين حصرا.
ونظرا لهذه المخالفة الصريحة للقوانين الايرانية فان السيارة التي يبلغ ثمنها 110 الاف درهم اماراتي (نحو 40 ألف دولار) لاتزال ماكثة في الميناء الايراني بانتظار تسديد أجور الجمارك ومبالغ (الكراجية) التي تتضاعف يوما بعد آخر، حتى وصلت الى ما يقرب من 5 آلاف دولار لحد الان.
هذه المبالغ الكبيرة أجبرت مدير المركز الثقافي في طهران على مخاطبة الوزارة بشأن تحمل هذه التكاليف، إلا أن مظفر الربيعي لم يحسن التقدير على ما يبدو، فلم تعد المراكز الثقافية مرتبطة بمديره السابق عقيل المندلاوي، ولا بالوكيل طاهر الحمود اللذين توافقا على تعيينه في هذا المنصب، بل وصل خطابه الى المشرف المباشر على عمل المراكز بالخارج، وهو الوزير الجديد فرياد رواندزي، والذي اتخذ خطوات سعى من خلالها الى الحد من الفساد داخل تلك المراكز، ونقل ملفها الى مكتبه بدلا من دائرة العلاقات الثقافية، بغية السيطرة على عملها.
الوزير رواندزي أبدى امتعاضه وانزعاجه من هذا الهدر المالي غير المبرر، فطالب بفتح تحقيق في أوليات القضية، وهنا حدثت المفاجأة، فقد قادت خيوط هذه المخالفة (بحسب المصدر) الى مخالفة من نوع آخر أكثر خطورة، إذ أن المركز قد تم تأسيسه وافتتاحه دون الحصول على الأذونات الرسمية سواء من الخارجية العراقية أو وزارة المالية أو حتى من الجانب الإيراني الذي ظل مصرا على رفضه وبشكل قاطع لافتتاح أي مركز ثقافي عراقي في طهران، ما يعني أن موظفي المركز، وخلاف أقرانهم في المراكز الاخرى (واشنطن ولندن وبيروت وستوكهولم)، لم يحصلوا على موافقة وزارة الخارجية ليتمتعوا برواتب الخدمة الدبلوماسية، والحصول على مستحقاتهم من وزارة المالية.
ويوضح المصدر الذي شدد على عدم الكشف عن هويته لـ”العالم الجديد” أن “كل ما حدث كان بقرارات فردية تم اتخاذها من قبل وكيل الوزارة طاهر ناصر الحمود ومدير دائرة العلاقات السابق عقيل المندلاوي، دون أدنى ضوابط قانونية أو مالية، الامر الذي أدى الى صرف آلاف الدولارات شهريا دون أي غطاء قانوني يسمح لهما بذلك”.
إذ أن ما لا يعرفه الجميع هو أن كلفة إيجار المركز الثقافي بطهران بلغت أكثر من 300 ألف دولار سنويا، متجاوزا بذلك قيمة إيجار نظيره في واشنطن والبالغة 296 ألف دولار، في سابقة لا يعقلها كل من يملك دراية بسيطة بأسعار العقارات والإيجارات في كل من طهران وواشنطن والتي غالبا ما تكون فيها أسعار واشنطن أضعاف مثيلاتها في طهران، نظرا للفارق الكبير في العملة.
ناهيك عن بدل إيجار سكن موظفي المركز، والذي تجاوز الـ(ثلاثة) آلاف دولار شهريا لكل واحد منهم، وهي بكل المقاييس تعادل أضعاف سعرها الحقيقي في طهران، وتتجاوز في قيمها أسعار الايجارات في بغداد وواشنطن.
ويبين المصدر أن “موظفي المركز المبتعثين من بغداد اثنان لحد الان، هما الربيعي مديرا، واخر بعنوان محاسب، فيما يعمل ثالث بعنوان موظف محلي”، لافتا الى أن “الأخير هو صهر الوكيل طاهر الحمود”.
ولأن طهران لم تجز افتتاح أي مركز عراقي ثقافي داخلها، فقد قام موظفو المركز بدخولها كـ”سائحين”، بحسب التأشيرة التي يتمكن أي عراقي من الحصول عليها، ومن دون خصوصية تذكر، الأمر الذي أجبر موظفي المركز على مغادرة البلاد كل شهرين من تاريخ الدخول، ومن ثم الحصول على تأشيرة جديدة تمكنهم من البقاء لشهرين آخرين، علما أن سمة الدخول السياحية تترتب عليها رسوم جمركية واجراءات قانونية أخرى، تلزم وزارة الثقافة بدفع تذاكر السفر لموظفي المركز، ومن معهم كل شهرين ذهاباً وإيابا فضلا عن رسوم السفر، في وقت تعاني فيه الميزانية من عجز كبير بسبب تدني أسعار النفط وتكاليف الحرب الباهظة ضد تنظيم “داعش”.
يجري ذلك، في ظل انعدام تام لأي نشاط ثقافي حقيقي لمركز طهران منذ تأسيسه، ولغاية الآن، على الرغم من إنفاق كل تلك المئات من آلاف الدولارات التي تم صرفها لهذا الغرض، والتي شملت ايفادات تأجير وتأثيث المركز لعدة مرات.
ويظل السؤال الأكثر إلحاحا، هو لماذا تم إذن، الاستعجال بافتتاح مركز طهران، من قبل وكيل الوزارة طاهر ناصر الحمود، ومدير دائرة العلاقات السابق عقيل المندلاوي في ظل خلو الوزارة من سلطة وزيرها السابق سعدون الدليمي الذي كان منصرفا عنها بإدراة وزارة الدفاع بالوكالة، وينتظر انتهاء مهمته؟
ولماذا تم تعيين مظفر الربيعي (وهو معاون المندلاوي لسنوات) حصرا، من دون ترشيح أسماء أخرى كفوءة، في تلك الفترة الانتقالية بالذات؟ ومن الذي سيتكبد ثمن الغلطة الباهظ للربيعي الجاهل بقوانين البلد المضيف، (فضلا عن جهله بلغته التي لا يجيد منها كلمة واحدة)، بعد إعادة السيارة الى المنشأ، لاسيما وان الوزير رواندزي أبدى رفضه لتحميل الوزارة مثل هذا الخطأ الشخصي.
وكانت “العالم الجديد” قد كشفت في وقت سابق عن حجم الفساد في المراكز الثقافية بالأرقام.