كثر الحديث عن خطورة انهيار سد الموصل، حتى بلغت التحذيرات أعلى المستويات في هرم الدولة العراقية، رافقت ذلك ضجة إعلامية كبيرة لم ترعب العراقيين وحدهم، وإنما جذبت اهتمام معظم سكان المنطقة والعالم، غير أن “العالم الجديد” ومن خلال متابعتها للمشكلة مع خبراء ومطلعين، توصلت الى أن الأمر لا يعدو أن يكون سوى “أكذوبة” أريد تسويقها لغايات اقتصادية وسياسية يشم منها رائحة فساد، فلا كمية المياه وصلت الى حدّ الخطورة، ولا جدران السد مشرفة على الانهيار كما يراد تسويق ذلك، خصوصا وأن التقرير الأميركي عن الموضوع والذي تنشر “العالم الجديد” بعضا منه أسفل التقرير يشير بما لا يقبل الشك الى عدم وجود أية خطورة تذكر.
السؤال العريض الذي يطرح نفسه هنا، هو هل أن عرّاب الاتفاق مع الشركة الايطالية “الساعية لترميم السد بملياري دولار!” وهو سفير العراق في روما والمنتمي لحزب رئيس اقليم كردستان المنتهية ولايته مسعود بارزاني، علاقة بالأمر؟ لاسيما أن معظم انتاج السد من الطاقة الكهربائية تذهب الى الاقليم، في ظل سيطرة شبه كاملة لقوات البيشمركة التابعة لبارزاني على السد.
يقول المهندس (أ.ج) الذي يعمل بالهيئة العامة للسدود والخزانات في حديث لـ”العالم الجديد” أمس الخميس، إن “السد بعيد عن أية خطورة تذكر، إذ أن أعلى منسوب تشغيلي للسد يبلغ ٣٣٠ مترا فوق سطح البحر، وهو منسوب خطر، والمركز الوطني لادارة الموارد المائية يحرص على ان لا يتجاوز المنسوب ٣١٩ مترا، فيما يبلغ منسوبه اليوم ٣٠٧ امتار، يعني أقل بـ١٢ مترا من المنسوب المعتمد من المركز الوطني، واقل بـ٢٧ مترا من أعلى منسوب تشغيلي معتمد أثناء تصميم السد، كما أن بحيرة السد الان لا تحتوي سوى ٤ مليارات متر مكعب تقريبا، علماً أن الطاقة الخزنية للسد هي ١١ مليار”.
واستولى تنظيم داعش على السد في أغسطس آب 2014 وهو ما أثار المخاوف آنذاك من احتمال تفجيره لإغراق الموصل وبغداد مما قد يسفر عن مقتل آلاف المدنيين.
ويضيف المهندس الذي رفض الكشف عن هويته، انه “حتى مع وجود خطورة تذكر بعد انهيار السد، فان الخطورة ستكون معدومة ايضا لأن الماء سيذهب الى حوض دجلة الذي سيستوعب كل تلك الكميات من الماء بسبب شحة المياه فيه”، لافتا الى أنه “ومع وجود هكذا خطورة لماذا لا يصار الى تخفيض منسوب مياه السد، عبر فتح مياهه تدريجيا أمام نهر دجلة المنخفض أصلا من أجل درء مثل تلك المخاوف”.
ويستطرد “بعد الاطلاع على التقارير الخاصة بسلامة السد وخطط الطوارئ في حالة الانهيار الافتراضي، والمعدّة من قبل لجنة مختصة، بما في ذلك التقرير الاميركي يمكننا اختصار الأمر بمشكلتين أساسيتين ظهرتا بعد إنشاء السد، وهي ليست حديثة بحسب ما يروج الاعلام”.
ويوضح المهندس (أ.ج)، أن “المشكلة الاولى تكمن في الاساسات الجبسية للسد، والتي تذوب بمجرد تفاعلها مع الماء، وتشكل فراغات باساسات السد، والتي يمكن معالجتها بعملية الحقن بمادة البنتونايت أو الاسمنت فائق النعومة، أو خليط معد حسب المواصفات، وتحقن المواد من نفق التحشية”، مبينا أن “عمليات الحقن أو التحشية توقفت لمدة ٤٥ يوما فقط، وذلك بعد احتلال المدينة من قبل تنظيم داعش، الامر الذي كان ينذر بالخطورة، لكن بعد تحرير السد من سيطرة التنظيم عادت عمليات الحقن بصورة طبيعية، وزالت معها أي خطورة تذكر”.
ويضيف أن “المشكلة الثانية تكمن في المنافذ السفلية أو bottom outlet التي يضمها السد، وهي مجموعة من الانفاق تسمح بعبور الماء من البحيرة upstream الى مؤخر السد downstream، حيث يعبر الماء من أنفاق الطاقة الى التوربينات لتوليد الكهرباء، وكذلك المسيل المائي إذ يبدأ الماء بالتدفق عبر المسيل المائي تلقائيا في حالة ارتفاع المنسوب بالبحيرة الى اعلى مستوى تشغيلي وبحالة سد الموصل، لذا من الطبيعي أن يرتفع منسوب المياه الى ٣٣٠ مترا حتى يبدأ بالتدفق من المسيل المائي”.
ويلفت الى أن “سد الموصل يحتوي على منفذين سفليين، ومشكلتهما في خروج الماء من المنفذ على شكل ski jump ليبدأ بتشكيل دوامة، وفي حالة عمل المنفذين تتشكل دوامتان تبدد إحداهما الأخرى، اما في حالة عمل منفذ واحد فان طاقة الدوامة تسبب تعرية حوض التسكين، ويتقدم التآكل بمرور الزمن الى ان يصل لجسم السد، وهنا مكمن الخطر”، لافتا الى أن “المشكلة تركزت في قيام (داعش) بتدمير أبراج توزيع الطاقة المتولدة من التوربينات، وبالتالي تم غلق منافذ الطاقة، وتم تصريف المياه من منفذ سفلي واحد بسبب عطل فني في المنفذ الآخر، الأمر الذي احدث تشققات بسيطة بالجدار الساند للمنفذ السفلي، وليس في جسم السد، وهذه المشكلة تحت السيطرة”.
هذه المعلومات تضع علامة استفهام كبيرة على التهويل الاعلامي حول خطورة انهيار سد الموصل، والاكثر من ذلك على العقد الذي من المتوقع ابرامه مع شركة ايطالية بقيمة ملياري دولار، حتى بلغ الأمر الى إعلان رئيس الوزراء الايطالي ارسال 450 جنديا لتوفير الحماية لها.
وتأكيدا لتلك الاثارة يكشف مصدر سياسي مطلع في حديث لـ”العالم الجديد” أمس الخميس، أن “سفير العراق في روما أحمد بامرني المنتمي الى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني يقف وراء هذه الصفقة المشبوهة لسببين، أحدهما الاستفادة من عائدات تلك الصفقة، كونه عراب الاتفاق، وثانيا إدامة الاستفادة من الطاقة التي يولدها السد باعتبار أن معظمها يذهب الى اربيل ودهوك”.
وفازت شركة تريفي سبا الايطالية بعقد لإصلاح السد البالغ طوله 3.6 كيلومتر والذي يعاني من عيوب هيكلية منذ إقامته في الثمانينيات. وقالت صحيفة كورييري ديلا سيرا الايطالية إن قيمة عقد إصلاح السد تبلغ أكثر من ملياري دولار.
ويضيف المصدر الذي رفض الكشف عن هويته، أن “مشروع الاتفاق بهذا المبلغ لن يرى النور من دون اثارة اعلامية بهذا الحجم”، مردفا أن “ما يؤسف له هو أن معظم وسائل الاعلام العراقية انساقت وراء هذه الاكذوبة من دون تثبت”.
وكان رئيس الوزراء الايطالي ماتيو رينتسي أعلن أن بلاده سترسل 450 جنديا قرب خط الجبهة مع عناصر تنظيم “داعش” في العراق، لحماية عمال يقومون بإصلاح سد الموصل وهو الأكبر في البلاد.
وقررت إيطاليا المشاركة في هذه العملية إلى جانب عسكريين أمريكيين، بعد ان كان رينتسي قد رفض دعوات من فرنسا والولايات المتحدة للانضمام إلى التحالف الذي يشن غارات جوية على أهداف داعش.
ولايطاليا نحو 650 جنديا في العراق لكن أغلبهم منخرطون في تدريب قوات الجيش والشرطة في العاصمة بغداد وفي أربيل عاصمة اقليم كردستان العراق.
وقالت وزيرة الدفاع الايطالية روبرتا بينوتي “هذه مهمة جديدة ومهمة في منطقة ساخنة جدا لأن المدينة تعتبر عاصمة الخلافة التي أعلنها تنظيم داعش في العراق، وهي أيضا مفترق طرق لخطوط الاتصال مع سوريا.”
وأضافت بينوتي التي كانت تتحدث للتلفزيون الرسمي الايطالي يوم الأربعاء أن ما يصل إلى 500 جندي سيحرسون السد. وفي مقابلة مع صحيفة قال وزير الخارجية باولو جينتيلوني إن عناصر من قوات البشمركة ستنشر مع القوات الايطالية.
ولم تكشف بغداد حتى الان، عن وجود اتفاق مع ايطاليا حول عمليات ترميم تخص سد الموصل، ولم تعلن عن قرب انتشار قوات إيطالية ستتولى مهام قتالية على الارض، فضلاً عن طبيعة الاتفاق في حال ابرم مع كردستان بمعزل عن الحكومة المركزية.