العراق والنفط ودائرة الخطر

إذا كنت تعيش في الغرب وتريد أن تفهم مزاج السياسة الدولية، عليك أن تدرك أن…

إذا كنت تعيش في الغرب وتريد أن تفهم مزاج السياسة الدولية، عليك أن تدرك أن الممر الوحيد المؤدي الى مفهوم شامل لفهم السياسة الدولية هو ممر الاقتصاد. ثقافة الاقتصاد في العراق تراجعت كثيرا في العقود الاربعة الاخيرة، لكن بعد انخفاض اسعار النفط لمس الموظف والمواطن العراقي حجم التهديد الذي يهدد عيشه فازداد الاهتمام بالاقتصاد والنفط من قبل العراقيين.

 

هذا الاهتمام الاجتماعي بالاقتصاد لم تستثمره وسائل الاعلام المحلية في العراق، ناهيك عن عدم انصاف جهود كوادر وزارة أنقذت العراق من الإفلاس في ظل حرب شرسة امام عدو هجين.

 

انتهى للتو اجتماع منظمة أوبك المنعقد منذ الجمعة 4 كانون الأول ديسمبر الحالي، في فيينا.. منظمة أوبك التي تنتج 35% من الانتاج العالمي من البترول، حيث يعد العراق عضوا مؤسسا في المنظمة منذ عام 1960.

 

عندما اتفق الاعضاء في اوبك قبل ستة اشهر على ان الاجتماع المقبل سيناقش خفض الانتاج مرة اخرى كان كل عضو في المنظمة يعي جيدا بأنه لن يطرأ اي تغيير على الـ30 مليون برميل، وهو السقف الرسمي الذي حددته أوبك للتدفق في الأسواق العالمية.

 

وفي الاجتماع المنعقد مؤخرا بمشاركة وزير النفط العراقي عادل عبدالمهدي، حاولت المملكة العربية السعودية أن تربط خفض انتاجها بخفض العراق من سقف انتاجه، لكن العراق الطامح للوصول الى أربعة ملايين ونصف المليون برميل، (وهو طموح قد يتحقق بحسب خبراء في أوبك)، إلا أن العراق رفض الخطة القاضية بخفض إنتاجه، الأمر الذي جعل السعودية تحتفظ بحصتها في السوق، وانتهى الاجتماع الذي دام ثماني ساعات في قاعة مغلقة في داخل منظمة اوبك.

 

وتقول مصادر اقتصادية في أروقة أوبك، ان “مفتاح التحكم في سوق البترول العالمية مازال بيد السعودية لسيطرتها على إنتاج 10 ملايين برميل نفط من حصة اوبك، وان التأثيرات السياسية الاقليمية تعكس توتر العلاقة الاقتصادية مع العراق، وان اقناع الرياض صعب للغاية بخفض الانتاج في المرحلة الراهنة”.

 

وعلى الرغم من وضع العراق العليل على المستوى السياسي، إلا أن تنامي القدرة التصديرية للنفط العراقي واطئ الكلفة شكّل مصدر إلهام لدى النشرات الاقتصادية الدولية والتي تؤثر على ستراتجيات الشركات المنتجة للنفط في العالم.

 

ولم تحظ وزارة النفط العراقية التي يقودها الاقتصادي العراقي عادل عبد المهدي والتي سجلت نقاطا هامة في السوق النفط الدولية بأي اهتمام إعلامي محلي، هذا التهميش الاعلامي لقطاع من المفترض أن تكون له الاولوية لرفده هيكيلية الدولة وقطاعات الخدمية الاخرى في العراق.

 

الأنانية الحزبية كانت واضحة في عرقلة الانجاز على الاقل معنويا وغاب الاهتمام بالاستراتيجية النفطية التي أنقذت العراق في مرحلة حساسة في منطقة معقدة في علاقاتها، لكن وزير النفط العراقي الذي التقيته على هامش المؤتمر يقلل من شان التوتر الاقليمي على قطاع النفط العراقي المدهش بحسب وصف “تومسون رويترز وانرجي انتلجنس”، وهي نشرة اقتصادية دولية تهتم بشؤون الطاقة، وتراقب النجاح الذي حققتة وزراة النفط العراقية.

 

ويضيف عبد المهدي ان “التشريعات القديمة أثرت كثيرا على قطاع الطاقة الواعد في العراق، وأن حكومة بغداد بحاجة الى تشريعات جديدة تنسجم مع وضع العراق الحالي”.

 

عبد المهدي الوزير الذي احتفظ بكوادر وزارة النفط من تكنوقراط، يشتكي من التدخل في قطاع النفط من قبل جهات لم يسمّها، هذا التدخل يساهم فيما اسماه عبدالمهدي بـ”اضطراب المسارات” .

 

اقتصاديون دوليون يقولون إن العراق، فقد الكثير من الفرص في سنواته الاخيرة، والتلكؤ في طريقة إبرام العقود التي لم تستثمر في زمن يصفه كثيرون بالزمن الذهبي لأسعار النفط عندما كانت تبلغ 113 دولارا للبرميل الواحد في عام 2013 كانت فرصة رائعة لاقتصاد العراق، لكن هناك الكثير من خبراء الطاقة ممن التقيتهم يقولون ان تنامي زيادة الانتاج النفطي العراقي في الفترة الوجيزة شكل علامة فارقة في السوق العالمية، وان سعر البرميل وإن كان منخفضا، إلا أن بإمكان العراق التعويض عن فترة أسماها خبراء الطاقة بفترة “التشتت الاستراتيجي”.

 

ولكن هذا المنجز الذي حققته وزراة النفط العراقية في السوق الدولية خلال عام نصف العام مهدد بالتلاشي ما لم يتخلص الاقتصاد العراقي من المركزية الشديدة والانفتاح على اقتصاديات يطلق عليها الاقتصاديون “بالاقتصاديات المرشدة” التي تشمل القطاعين “العام والخاص”، ويجب أن يتجه الاقتصاد العراقي الى معيار أفضل وهو معيار السوق.

 

التهديد الخطير الذي ينسف جهود القائمين على القطاع النفطي في ظل ظرف صعب يمر فيه العراق هو عدم تنويع المصادر حتى اللحظة وعدم تعريف هوية الاقتصاد العراقي، حيث اكتفى العراق حتى الان بالاعتماد على قطاع الطاقة وتسويق البترول للاسواق العالمية، لكن هذا القطاع ليس بمنأى عن التاثيرات الاقليمية والدولية.

 

الجمهورية الاسلامية الايرانية ستدخل السوق قريبا بعد رفع العقوبات الدولية عنها والتنافس الاقليمي بين طهران والرياض ربما سيلقي بظلاله على العلاقة في المستقبل على منظمة اوبك ليشكل محاور اقتصادية جديدة قد تؤثر على العراق. وبين هذا الثنائي المتنافس الخطير على المستوى السياسي يلحقه تنافس اقتصادي على السوق الدولية سيكون وضع العراق صعبا في ظل عدم ارتكازه على قطاعات اخرى كالصناعة والزراعة.

 

خبراء في اوبك يقولون ان الرياض لن تستطيع عرقلة طهران اقتصاديا لتنوع اقتصادها، لكنها ستؤثر على شريكها الاقلميي المتمثل بالعراق. لكن الفرصة مازالت قائمة أمام العراق بتنويع مصادره، وعدم الاعتماد على النفط اذا كانت هناك رؤية جدية في تشريعات تدفع قطاع الطاقة الى الأمام وتوفير ثقافة عراقية أشبه بالثقافة اليابانية التي تصر على دعم المنتج الوطني والذي تعتبره اولوية وسلاحا اقتصاديا لمحاربة الصين.

 

  • مقال خاص للصحفي المعتمد لدى الاتحاد الاوروربي -بروكسل حسين الوائلي

 

إقرأ أيضا