نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريرا حول سبب وجود وفد من حركة طالبان الأفغانية في إيران الأسبوع الماضي، حيث بدأته بقول لأحد كبار الصحفيين الافغان “في صراعها المستديم مع طهران، خفف تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” من لهجته ضد ايران والمجموعات الشيعية الاخرى”.
وأشارت الصحيفة الى تقارير رسمية أفغانية تحدثت عن زيارة سرية لوفد من طالبان الى إيران هذا الأسبوع أثارت دهشة كل من كابول وطهران وتركت تساؤلات؛ لماذا تتورط ايران وهي القوة الشيعية الأكبر في حروب بالوكالة، ضد العديد من الدول السنيّة والجماعات الطائفية المتشددة في الشرق الأوسط، وتستضيف مليشيات سنيّة على أراضيها؟
خصومة الامس بين الغريمين وصلت الى حدها النهائي على صعيد الاقتتال ضد بعضها البعض.. لكن عندما يتعلق الامر بالوضع السياسي والاقليمي، فان الاثنين وجدا الارضيّة المشتركة للحوار بينهما، وهي تنامي مخاوفهما من تمدد نفوذ “داعش” في المنطقة.
وتستذكر الصحيفة واسعة الانتشار العام ١٩٩٨ حين نشرت طهران ما يربو على 70 ألف جندي على حدودها مع أفغانستان، في خطوة واضحة للقيام بعمل عسكري يرمي الى اجتياح أفغانستان في عمل انتقامي لمقتل ثمانية دبلوماسيين إيرانيين على يد حركة طالبان في شمال مدينة مزار الشريف ذللك العام، وقد تنبأ القادة العسكريون في طهران بالإطاحة بحكم طالبان في غضون أربعٍ وعشرين ساعة.. لكن فتيل الأزمة تم إطفاؤه عندما تدخلت الامم المتحدة آنذاك.
وتستطرد بالقول: بعد ذلك، عندما أقدم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية بالإطاحة بحركة طالبان عام2001 لإيوائها اسامة بن لأدن، وهو العقل المدبر لهجمات 11 أيلول سبتمبر، فأن ايران ساهمت في عملية الإطاحة بطالبان من الناحية التكتيكية.
بعد عشر سنوات من هذه الحادثة، فان غرماء الامس يُبدون رغبتهم في التعايش لمواجهة التهديد القادم من العدو المشترك والمتمثل بما يسمى “داعش”.
هذه الأسباب والأهداف المشتركة الاخرى، دفعت بالولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الى الخروج من أفغانستان.
وفي الوقت الذي لا تريد فيه طهران من عودة غريمتها (طالبان) الى استلام مقاليد السلطة على حدودها الشرقية، فان المسؤولين الإيرانيين ليست لديهم مشكلة في رؤية طالبان وقد أصبحت جزءاً من حكومة كابول المدعومة تماماً من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في خطوة للمصالحة طال انتظارها من قبل الجميع.
ولهذا السبب زار وفد كبير من طالبان يرأسه (محمد طيب أغا) طهران يوم الاثنين الماضي، وعقد مباحثات مع القادة الإيرانيين.
وفي الوقت الذي أعرب فيه القادة الإيرانيون عن إنكارهم لحصول مثل هذا اللقاء والزيارة، فان الصحافة الإيرانية وطالبان أكدا بأن الوفد الطالباني كان مُشكلاً من أعضاء المكتب السياسي للحركة المتواجد أصلا في قطر.
ونقلت الصحيفة اللندنية عن حركة طالبان بيانها الرسمي الذي قالت فيه بأن الوفد ناقش عددا من القضايا مع المسؤولين الإيرانيين من ضمنها الأوضاع الحالية في أفغانستان والوضع الإقليمي، وكذلك حال اللاجئين الافغان في ايران.
زيارة الاثنين الماضي، لم تكن الاولى من نوعها لوفد طالبان الى طهران، فقد سبقتها زيارة مماثلة قبل سنتين لحضور مؤتمر (الصحوة) الذي استضافته ايران وفقا لتقارير إعلامية متعددة.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه بعض فصائل طالبان تأييدها لأبو بكر البغدادي في خلافته للدولة الاسلامية المزعومة، الا ان حركة طالبان أعلنت مرارا معارضتها وإدانتها للأعمال الوحشية التي يقوم بها (داعش) في شرق أفغانستان وبالاخص ما قامت به في الشهر الماضي، والذي راح ضحيته اكثر من خمسة وثلاثين قتيلا.
ورغم اشتراك الفصيلين المتناحرين في الهجمات الوحشية التي طالت المدنيين على اختلاف مشاربهم، فأن طالبان دعت (داعش) الى تجنب “التطرّف” في حربها في الشرق الأوسط، وهذا ما أثار حفيضة ابو بكر البغدادي واصفا المُلا عمر بأنه (أمير حرب جاهلٍ وأحمق)، في رده على الأخير بضرورة التخلي عن التطرّف ونبذه وبأنه لا يستحق ان يكون اميرا للمسلمين.
و(بالمثل) فان ايران تقاتل داعش على ارض العراق، سوريا وكذلك اليمن. إذ تشير التقارير الى إرسال طهران لأكثر من ألف خبير عسكري الى العراق، ونفذت ضربات جوية ضد أهداف منتخبة لمواقع داعش، وأنفقت أكثر من بليون دولار كمساعدات عسكرية ومعدات حربية للعراق.. علماً ان آخر ما ترغب ايران برؤيته هو وجود “داعش” داخل أفغانستان حيث يمكن بمليشياتهم القيام بمهام قتالية داخل الاراضي الإيرانية.
تحالفٍ كهذا ما بين ايران وطالبان سوف لن يكون رادعاً لـ”داعش” فقط، بحسب الصحيفة البريطانية الأشهر، بل يمكن له أن يمهّد لعقد صفقة مع الحكومة الجديدة في كابول، والتي لم تتجاهل الدعوات السعودية في طلب الدعم لشن هجمات حربية ضد الفصائل الشيعية في اليمن.
فعندما أقدمت السعودية على تشكيل تحالف عربي تولت قيادته لشن هجمات جوية ضد الحوثيين (وهم مجموعة شيعية مدعومة من ايران) أواخر آذار الماضي، فان أغلب الدول السنية بما فيها الحكومة الافغانية في كابول، ساندت هذه العمليات العسكرية، حيث أعرب قلب الدين حكمت يار الذي يقود حركة (هايزي- إسلامي) المعارضة لحكومة كابول عن استعداده التام لارسال مقاتليه لدعم التدخل السعودي في اليمن.
وبرغم ان المملكة العربية السعودية كانت السبّاقة في الاعتراف بدولة طالبان عام ١٩٩٠ ألا إن حركة طالبان أعلنت موقفها الرسمي المعارض لحرب اليمن.
وفي الوقت الذي يبدو فيه بإن التعاون الإيراني – الافغاني للملأ جديداً في حيثياته، الا أن التقارير تشير لوجود تعاون قديم يعود للعام ٢٠٠٧ عندما أقدم حرس الحدود الافغاني في المحافظة الغربية (هيرات) بمصادرة الآلاف من الألغام الارضيّة التي تحمل الماركة الإيرانية والمرسلة الى حركة طالبان في أفغانستان.
حيث تم حينها توجيه اللوم الى ايران لتدريبها ميليشيات طالبان على مرمى حجر من المدينة المقدسة (مشهد).
في نفس العام اتهم زعماء في حلف الناتو ايران بتزويدها طالبان بأسلحة خارقة للدروع، وهي نفس الأسلحة التي تم تزويد الفصائل العراقية التي حاربت القوات الاميركية في العراق.