صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الغرب والشرق والنقاء العرقي

 

درجت كثير من فلسفات وأدبيات الغرب والشرق على تقسيم عقلي لا مكاني، يُميز الإنسان الغربي عن الإنسان الشرقي، فيُصنف الغربي بأنه ذو “عقلانية برهانية” ويُصنف الشرقي بأنه ذو “عقلانية وجدانية أو عرفانية صوفية”، ولم تأخذ أغلب الدراسات بحسبانها التجانس الإثني والتداخل المعرفي.

 

فلم يعد سكان الغرب جنساً واحداً فقد تعددت أقوامهم وأعراقهم، ولم يعد الغرب كما كنا نراه من قبل هو الغرب اليوناني أو حتى اللاتيني. كما لم يعد الشرق شرقاً دينياً روحياً. فلم يعد إفتراض هوية واحدة للغرب ممكناً في ظل متغيرات العالم الإفتراضي “السيبراني” و “العولمي” والثورة المعلوماتية “الإنفوميديا” عالماً واحداً موحداً، كما لم يعد الشرق روحانياً بعد كل موجات العنف الإستعماري “الكولنيالي” وموجات الصراع الأثني وغزو الثورة المعلوماتية شرقاً رومانسياً كما صورته لوحات المستشرقين وذوي النزعات الروحانية. ولربما يكون للعنصر الآسيوي متمثلاً باليابان وكوريا الجنوبية والصين وماليزيا، أو ما يُسمى بالنمور الآسيوية دورها في تغيير مسارات التصورات التقليدية لتقسيم العقول الأرضية إلى عقل سامي وعقل آري. فإنتفت بذلك نظرية النقاء العرقي والتميز الجسدي والعقلي وفق مبدأ الإنتخاب الطبيعي القديم القائم على القوة الجسدية، وإن كانت هناك خصائص عامة يُمكن وصف جهة من جهات الأرض بها، فأنا أعتقد أنها آيلة للزوال. ولكنها ليس اليوم أو غداً ولكن ما حققته بعض شعوب آسيا من نهضة عمرانية وتقنية ورقمية تُنبأ بأن هناك تحولاً وتغييراً سوف يطرأ على نمط التفكير التقليدي في تقسيم العقل.

 

إن المشكلة التي تُبقي بعض مصداقية لرؤى التميز العرقي هي فينا نحن العرب وبعض الدول الإسلامية التي لا زالت مُصرة على تخلفها وخضوعها لشروط هذه النظرية وفق منطق خضوع السيد للعبد، وكأن المفكر الغربي يضع لنا خطاطة المصير ولا خيار لنا سوى إثبات مصداقية رؤيته، فنسير طبقاً لها مفكرون وعامة الناس. ونسينا نحن السومريون والبابليون أن الفلك البابلي كان سبباً في تقدم اليونانيين في علىمهم الفلكية والإرصادية، ولم نُدرك فضل العرب والمسلمين ليس في نقلهم علوم اليونان للغرب، بل في تغيير وجهة الرؤية الفلسفية اليونانية من طابعها التجريدي التأملي لوجهة تجريبية، فقد عرف العرب والمسلمون الغرب الطريقة التجريبية التي وسم بها الفكر العلمي العربي، وقد توجت نظرت العرب العلمية والتجريبية بطابعها الإسقرائي مع الحسن بن الهيثم الذي قعد لعلم البصريات أو ما سُميّ عند العرب والمسلمين ب “علم المناظر”، فصار للملاحظة والتجربة أهميتهما في إستقراء الظواهر الضوئية. وتأكيده على أن الشعاع هو الضوء المممتد من الجسم المضيء في الجسم المُشف، وأن خطوط الشعاع هي خطوط مستقيمه ولكنها متوهمة وليست حقيقية،. وما كان إبداع الشرق والعرب المسلمين في مقدمتهم في العلوم الأخرى مثل: الرياضيات كما تمثلت في الخوارزميات أو الكيمياء كما جاء بها بن حيان أو في علوم النبات والمعادن والحجر وعلم الحيوان بأقل من ذلك، ولكن مشكلتنا اليوم هو في غلبة العلوم الفقهية وسطوتها على حياتنا وغياب العلوم الطبيعية وجهلنا لدورها في تغيير واقعنا وحضورنا وفاعليتنا بين الأمم.

 

إقرأ أيضا