يعد الفيلم الإيطالي “رأس المال البشري-Human Capital” اقتباساً ناجحاً لرواية الكاتب الأميركي ستيفن أميدون، التي تحمل نفس الاسم، والتي اختارها الناقد والكاتب في جريدة واشنطن بوست، جوناثان ياردلي، ضمن أفضل خمس أعمال روائية لعام 2004. وكان “رأس المال البشري” الذي حاز على العديد من الجوائز، هو الفيلم الذي تقدمت بها إيطاليا رسمياً لجائزة الأوسكار للعام الماضي. وقد عمل كاتبا السيناريو فرانشيسكو بروني وفرانشيسكو بيكولو، إضافة إلى المخرج باولو فيرزي على تحويل الرواية الأميركية إلى قصة إيطالية تدور في إحدى ضواحي مدينة ميلانو، بدلاً من ولاية كونيتيكت الأميركية. وكان من العوامل المساعدة على الاقتباس، ثيمات الرواية التي تتحدث عن سطوة المال والجشع في المجتمعات الحديثة، فبدت القصة منطقية جداً في شخصياتها وأحداثها.
يبدأ الفيلم بحادثة اصطدام سيارة بسائق دراجة يعمل نادلاً في مطعم، ثم يعود السرد بالزمن لستة أشهر تسبق الحادث وبفصول متتابعة لثلاث شخصيات رئيسية في الفيلم. نرى الشخصيات في سلسلة من الأحداث تقود إلى الحادث، ولكن من زوايا مختلفة، وبمعلومات إضافية تجعلنا نكتشف تدريجياً من هو السائق الذي ارتكب الحادث. شخصية الفصل الأول هي شخصية دينو أوسولا -فابريزي بنتيفو جليو- صاحب مكتب عقارات، ووالد سيرينا -ماتيلدا جيولي- التي تربطها علاقة بولد عائلة ثرية يدعى ماسيمليانو بيرناشي -جوجليمو بينيللي-. يبدو دينو مبهوراً ببيت والد ماسيمليانو، جيوفاني بيرناشي -فابريزو جيفوني-، فيحاول التقرب إلى جيوفاني بكل الوسائل، ويسعد بلعب التنس معه، ثم يطلب منه شراء أسهم في صندوق استثمار له. يبدأ دينو برسم خطط الثراء معولاً على إمكانية زواج سيرينا من ماسيمليانو، دون أن يكترث بحالة زوجته روبرتا -فاليريا جولينو-، الطبيبة النفسية والحامل بتوأم، بل يقوم، بكل تهور، باقتراض مبلغ كبير من المال طمعاً في العوائد المالية التي ستعود من الصندوق، ويبدأ بتصفية أعماله كعقاري، استعداداً لما ستكون حالته المادية عليه بعد أرباح استثماره المشترك مع جيوفاني. في الفصل الثاني، نتعرف عن قرب على كلارا -الممثلة ذات الأصل الإيطالي الفرنسي فاليريا بروني تيديسكي- وهي ممثلة هاوية في السابق وزوجة جيوفاني حالياً، ولكنها تبدو تائهة لا تعرف ماذا تريد إلى أن تقع على مبنى مسرح مغلق، وتقرر شراؤه وإحياء عروضه من جديد. أما في الفصل الثالث، فنرى سيرينا ونكتشف أسراراً خفية حول مرتكب الحادث الفعلي. ثم نشاهد الفصل الأخير الذي يعود للسرد العام لنعرف ما انتهت عليه الحكاية.
لا شك أن هذا النوع من السرد السينمائي قد تم استخدامه في مرات عديدة، منذ رائعة كيروساوا “راشومون” 1950، ولكنها تظل طريقة سرد ناجحة في كشف خبايا حدث غامض، كذلك الحادث الذي بدأ به الفيلم. ورغم أن الفصول تعود من جديد إلى نفس الأحداث، إلا أن الزاوية المختلفة للشخصيات، تسرد تفاصيل غائبة في المشاهد السابقة، وكان كاتبا السيناريو حذرين من أي تكرار ممل، وهو الأمر الذي يحسب للسيناريو، إضافة إلى حسن الاقتباس.
ويمكن القول بأن ما أضاف قوة إلى الحبكة المميزة للسيناريو، هو جودة أداء الممثلة الصاعدة ماتيلدا جيولي التي أدت دور سيرينا، وجيفوني الذي قام بدور جيوفاني. كما ترافق ذلك مع تصوير جميل متقن وذكي في التقاط الزوايا للمشاهد المشتركة بين الفصول، حيث نكتشف تفاصيل جديدة في كل مرة. وهو الأمر الذي يحسب للمونتاج أيضاً، فقد كان لغز علاقة ماسيمليانو بسيرينا غامضاً حتى النهاية، بسبب إتقان صنع المشاهد من حيث التصوير والمونتاج.
الجدير بالذكر أن المخرج وكاتبي السيناريو سبق لهم أن عملوا عدة أعمال مشتركة وقد حاز بعضها أيضاً على جوائز عديدة كفيلم “أول شيء جميل” “The First Beautiful Thing” عام 2010. وقد استطاع هذا الثلاثي أن يقدم قصة ممتعة عن المال مقابل الإنسان ومدى طغيان التفكير في الأول على حساب الثاني، وهو ما يشير إليه العنوان، فالمقصود ب”رأس المال البشري” هو التعويض المالي عن الضرر البشري الذي وقع من جراء الحادث.