صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

  ماذا يعني أن نقول مثقف سوبر ستار؟ هل يمكننا الجزم – الآن – بأن أسما مثل (مثقف سوبر ستار) قادر على حمل الدلالة الأخلاقية وغير خاضع للتوصيف النقدي والأمر نفسه بالنسبة للمثقف الأعزل الذي يمكننا العثور عليه هنا وهناك

المثقف الأعزل والمثقف الـSuper Star

 

ماذا يعني أن نقول مثقف سوبر ستار؟ هل يمكننا الجزم – الآن – بأن أسما مثل (مثقف سوبر ستار) قادر على حمل الدلالة الأخلاقية وغير خاضع للتوصيف النقدي والأمر نفسه بالنسبة للمثقف الأعزل الذي يمكننا العثور عليه هنا وهناك .. في هذه المقالة لست معنيا بوضع ملاحظاتي النقدية في قوالب أو وضع معطيات التجارب المتصلة بالثقافة في أطر.. إن القارئ أو الكاتب يذهب فيما يقرأ أو يكتب نحو أشكال نقدية مجردة وهنا ينبغي الإيمان بأن الكتابة – القراءة النقدية ستكون أكثر جدوى إذا نحن نظرنا إليها بوصفها آفاقا وليست تخوما وعندها تصبح لحريتنا ومخيلتنا أو سلوكياتنا النقدية معنى.

 

كل قراءة نقدية، للحاضر المتصل بالماضي القريب، محكومة بموقع الفكر الذي به تكون، ولا قراءة إلا من موقع فكري أو أخلاقي محدد، أما تلك، القراءات، التي قد تدعي أنها من داخل المواقع والأحداث والمواقف كلها، فمستحيلة في دلالاتها، إلا إذا كانت من موقع المطلق، فكان الضمير وذاكرته المغطاة بغبار النسيان هو/هي القارئ، لكن هذا افتراض نرفضه، ما دام فعل الكتابة فعلاً نقدياً وفعل القراءة كذلك، لا أفلات للفكر من أفق الزمان (الذاكرة) فيه ترتسم ملامحه، يتغير بتغير موقع النظر فيه، كأنه ليس إياه، كأنه ليس بواحد، يتعدد ويتفتت ويختلف معه لا عليه، كلما قُرئ يتجدد بالاختلاف، إنه المخالف في صيرورته، ألاّ يكون، وأعني العراق، هو هو: هذه ذاكرته وصيرورته، وكينونته ألاّ يكون شيئاً منسياً أو ضحية بل أن يكون، دوماً، بعلاقة أو بفكر يستقرئه، بهذه العلاقة، المتصلة بالذاكرة، وحدها يكون أو يستعاد، لا وجود له إلا بها، أعني الذاكرة، ولها الوجود كله، إنها، بالضبط، وجوده الزماني والحضاري والثقافي، هذا الذي ليس له غيره .

 

لعل في هذه التوطئة ما يثير التباساً، بل لعل فيها ما يسمح بمثل هذه الاستعادة المتصلة بالذاكرة المهملة منذ التاسع من نيسان (2003) وما قبله، الذاكرة ليست مهملة وحسب بل عاجزة على أن تستعيد الأحداث والمواقف، لذا كانت القراءة باطلة أو متغافلة للحقائق، ولهذا جاء المقروء أو المكتوب على صورتها، من هنا نسأل: كيف يتعرف القارئ على وجهه فيما يقرأ؟ القارئ كالكاتب ينظر في ما كتب أو قرأ فتدل عليه قراءته وكتابته.

 

المواقف من العراق عموماً ومما يجري حوله، بشكل خاص، تختلف بشكل محسوس وملموس من مثقف لآخر، ومما لا جدال فيه أن المثقفين العراقيين يجدون نفسهم الآن ضمن أوضاع مختلفة عما حدث لبلدهم عام 2003 هذا التأريخ سيصلهم بالإشكاليات التي تتجاوز المحيط الجيوسياسي الموجودين فيه مثلما يتخطى مواقفهم السابقة المتصلة بذلك التأريخ وما قبله، وبتركيز شديد يمكن أن نقول إننا أمام حالتين:

 

الأولى: هي حالة المثقفين الذين يعيشون داخل المؤسسة الثقافية الرسمية، العراقية والعربية، والتي تعتبر نفسها امتداداً لملكيتها وتجسيداً لها ولتوجهاتها وهي من هنا تستمد شرعيتها المزعومة، أن علاقة المثقفين بالمؤسسة المملوكة في هذه الحالة ما زالت تخضع إلى قوانين اللعبة الطائفية ـ العنصرية أو الحزبية القديمة التي حدّدناها في مقال سابق عن الادلاء والثقافة العقائدية والمملوكة، إذن أن كتلة المثقفين لم تتجه بعد نحو الإنفصال عن المؤسسة الرسمية لكي تعلن موقفها الواضح من الأحداث الراهنة، من هنا يبدو حرص المؤسسة على الاحتفاظ بأبواقها من المثقفين المتلاعبين بالالفاظ المتصلة بأحداث العراق وما حوله.

 

والحالة الثانية، هي حالة المثقفين الذين يعيشون في المنفى، وهذا المنفى خلق نوعين من المثقف: الأول: الأعزل الذي ارتضى بالتهميش ولم يسر مع المطبلين والطائفيين الجدد أو المحشور بين مطرقة هذه الصحيفة المملوكة وسندان ذاك المحرر والذي يكتب وينتج بهدوء وزهد وفي ظروف حياتية جد صعبة، والثاني نسخة تكاد تكون طبق الأصل لنموذج تعرفنا عليه سابقاً، المثقف الزيتوني العقائدي المتلون، إنه المؤتمن الدائم والخادم المطيع لمالكي السلطة الذي يُفَصّلُ أفكاره وإنتاجه وقلمه حسب الطلب، بمعنى آخر بندقية للإيجار لمن يدفع أفضل، ويمكن تصنيفه أيضاً داخل الفئة التي أسماها غرامشي، بطريقة دبلوماسية مهذبة، بفئة “المثقفين التقليديين”. هذا النوع لا يمنعه، أي وازع أخلاقي، من اتخاذ نفس الموقف من السلطة ولعب نفس الدور داخل النظام، دور الموظف أو (المؤتمن) المبتور المخيلة والموقف والأخلاق. وهناك أيضاً، حالة المثقف الذي قطع أواصر الصلة مع السلطة لأسباب يمكن أعتبارها (أخلاقية) لكنه يبقى مع ذلك منبهراً بعطايا السلطة ويستمر بوعي أو بدونه في أعتبارها مرجعاً وأعني موقعاً متميزاً لأي استراتيجية تستهدف التغيير.

 

المثقفون الذين نستطيع استثناءهم من هذا الكلام كانوا العزل (شعراء وصعاليك ومتصوفة.. الخ) تلك العينة من المثقفين التي تم تغييبها من الثقافة العربية والعراقية ولفظها في مجال العصيان والاهمال، وليس من قبيل الصدف أن الصحافة الرسمية المملوكة لم تُبرز إلا نادراً هذا النموذج الأخير الرافض للمنظومات الطائفية “نموذج المثقف الأعزل” واهتمت بنموذج ما يمكن أن نسميهم النجوم أو الموظفين (الكبار) للثقافة العقائدية في هذه الصحيفة أو تلك المؤسسة.

 

 

خاتمة:

 

هناك تفاصيل طارئة، متصلة بالثقافة العربية، قد تكونت في السنوات الأخيرة وصار لها أثرها الطائفي البالغ وباتت تهدد بانتظام أشد وقسوةٍ أبلغ جميع من يرفض التلوث بالأسلوب الطائفي والعنصري والحزبي سواء في الموقف أو الكتابة والقول، وهذه الممارسات البغيضة شوهت إلى حدٍ كبير صورة الثقافة والحياة والفكر المتحرر في أذهان الناس، وقد صار لها أثرها في خلق اصطفافات مقيتة لا علاقة لها بالثقافة الحقيقية  وغريبة أمام الفكر المغاير . ومع ذلك سيبقى المثقف المغاير الأعزل مؤهلاً أكثر من غيره لمقاربة الواقع بشكل جديد ولبلورة مشروعه الثقافي والمعرفي دون أن يتلوث بالطوائف والعقائد والاصطفافات الغريبة . هذا النوع من المثقف لا يزال جنينياً أيضا وسيحتاج من أجل هيكلته إلى تراكمات عديدة على مستوى المراجعات النقدية في ميادين شتى .

 

إقرأ أيضا