حسب الجداول الزمنية التي وضعتها الادارة الامريكية، او بالأحرى وكالة المخابرات الامريكية المركزية لنهاية داعش فاننا نقترب منها كثيرا، خاصة بعد تحرير اخر معاقله في تلعفر، هذا التنظيم الذي حدد الامريكان مكان وزمان ظهوره، ورسموا خارطة انتشاره فانهم ايضا من وضعوا توقيت نهايته وانهاء وجوده في العراق وسوريا.
كلنا نتذكر، عندما سيطر هذا التنظيم الارهابي على مساحات واسعة من الاراضي العراقية والسورية، تصريحات المسؤولين الامريكان، سواء العسكريين منهم او المدنيين، بان القضاء على داعش سوف يستغرق 3 الى 5 سنوات، واليوم تتحقق نبؤاتهم (مخططاتهم) بخصوص توقيت نهاية هذا التنظيم الارهابي. ولكن السؤال الذي يشغل بال المحللين والخبراء والمتخصصين في علم السياسة والامن اليوم، ماذا بعد داعش؟
من الجدير بالذكر هنا، ان الامريكان لم يخجلوا هذه المرة من تبني صناعة داعش، بل قالوها علننا وفي اكثر من مناسبة، ربما اخرها تصريحات الرئيس الامريكي ترامب اثناء حملته الانتخابية في فورت لودرديك في ولاية فلوريدا، حين قال بان اوباما من “زرع الفوضى في الشرق الاوسط”. ثم قال بان اوباما “مؤسس داعش في العراق وسوريا”، هذا في الظاهر، اما في الباطن فان اوباما وادارته كانوا ليسوا سوى ادوات في ايدي وكالة المخابرات الامريكية ويقومون بتنفيذ اجنداتها حرفيا، هذه الوكالة التي هي في الحقيقة دولة داخل دولة، وتنفذ اخطر واقذر العمليات حول العالم.
اجندات هذه الوكالة كانت واضحة في العراق وسوريا، وقد حققت الكثير من مآربها، ولكن ما كل ما كان يتمناه الامريكان ادركوه من تأسيس داعش، وجرت الرياح بما لا تشتهيها سفنهم هذه المرة، حيث افرزت مرحلة الحرب ضد داعش ظهور قوة عسكرية عراقية لا يستهان بها، الا وهي قوة الحشد الشعبي التي بلغ قوامها أكثر من 130 الف مقاتل، هذه القوة العراقية التي استطاعت ان تقهر واحدة من اقوى واخطر التنظيمات الارهابية في العالم، واثبتت بانها تملك القدرة على خوض معارك صعبة وان تحقق انتصارا تلو الانتصار فيها، وانها لم تخسر ولو معركة واحدة منذ 2014 والى الان. هذه القوة العراقية اصبحت كابوسا على صدر وكالة المخابرات هذه، ودقت ناقوس الخطر في اروقتها، لذلك بدأت تخطط ومنذ اواسط 2015 بوضع سيناريوهات للقضاء عليها او على الاقل اضعافها.
ولتحقيق هذه الغاية لابد للأمريكان ان يخلقوا عدوا جديدا للعراق وللحشد الشعبي، وذلك لجر هذه القوة الى حرب استنزاف قوة الحشد الشعبي واضعاف وجوده. العدو المرشح لهذه المعركة هم قوات البيشمركة الكردية، وعلى حد علمي فان كليهما لا يريد خوض هذه الحرب، الا أن الامريكان سوف يدفعون بهما الى هذا المستنقع.
سوف يستغل الامريكان الخلافات العالقة بين المركز والاقليم لإيصال الطرفين الى مرحلة الاصطدام العسكري، فواحدة من اخطر الملفات العالقة بينهما هي موضوع المناطق المتنازع عليها، التي حاول المشرع العراقي ايجاد حل دستوري لها من خلال المادة 140 حيث وضع الية لحلها، كانت منذ البداية من المستحيل تنفيذها وذلك من الناحيتين الفنية والزمنية ولظروف ذاتية وموضوعية، وبذلك تحولت هذه المادة الى معول هدام للمجتمع العراقي وسببا للخلافات الناشئة حاليا، والتي سوف تنشأ في المستقبل، لم يكن المشرع العراقي موفقا في صياغتها. وقد برزت بعض من اثار هذه المادة ومشاكلها اثناء المعارك على داعش، حيث ارتفعت سقف مطالب الجانب الكردي وذلك بإعلان رغبتهم ضم مناطق اخرى تشمل سنجار ومناطق من كركوك وديالى، وفي هذا الصدد صرح مسؤولون اكراد بأن: (العراق ما قبل سقوط الموصل لن يعود كما كان). وتأكيدات رئيس الاقليم (مسعود البرزاني) على ان (جهود قوات البيشمركة لن تذهب سدى)، وتكرار تهديداته بإعلان (استقلال الاقليم)، والعيش كدولة مستقلة تتمتع بعلاقة “حسن الجوار” مع جارها الجديد (العراق)، واخيرا اعلان عن القيام بالاستفتاء على استقلال كردستان في 25/9/2017.
هذه الطموحات الكردية غالبا ما تصطدم بمعارضة القوى السياسية العراقية السنية والشيعية على السواء، مع الاجماع على الوقوف بوجه هذا الحلم يكاد يكون هو الرابط الوحيد الذي يجمع بين المجموعتين المذكورتين.
يذهب الكثير من الخبراء والمحللين السياسيين والعسكريين بان هذه الحرب، اي الحرب بين قوات البيشمركة والحشد الشعبي قادمة لا محالة، آجلا أم عاجلا، وسوف يدفع الطرفان الثمن غاليا جدا، وليس من المستبعد ان تجر الولايات المتحدة الامريكية رجل ايران الى هذا المستنقع، الا أن الايرانيين أذكياء بما فيه الكفاية، واشك بان يدخلوا هذا المستنقع مهما حاول الامريكان دفعهم الى ذلك.
ان اية حرب داخلية اخرى سوف تكلف الشعبين العربي والكردي مزيدا من الارواح، وسوف تكون تكاليفها المالية والاقتصادية باهظة الثمن لا يقدر الطرفان على تحملها، ولن يكون هنالك رابح في هذه المعركة، لذا فان السبيل الامثل لحل كل المشاكل العالقة بين الطرفين هو الجلوس على طاولة المفاوضات والوصول الى حلول مناسبة لتجنب الشعبين العربي والكردي المزيد من المآسي والكوارث التي ما عاد للشعبين القدرة على تحملها، فهل سوف يفوت الطرفان العربي والكردي الفرصة على الامريكان في دفع الامور نحو الهاوية والوقوع في مستنقع حرب اهلية جيدة، ويرجحان منطق العقل والحكمة في حل الملفات العالقة؟ هذا ما ستخبرنا به الايام والاشهر القادمة.