يبدأ من شمال بغداد وينتهي في جنوب البصرة، بنيت بعض مراحله في الخمسينات والمراحل الاخرى بنيت تباعا بين الحين والاخر، انه “المصب العام” او “النهر الثالث” الذي تتجاوز مساحته قرابة 660 كم، المشروع الذي مضى على بدايته ستة عقود نسلط الضوء عليه في هذه الوقفة.
ان العراق بلد تكثر فيه الانهار والجداول، وبسبب سياسات النظام السابق استحدثت العديد من القنوات المائية بهدف العبث بالبيئة العراقية، تلك التغييرات التي اجريت على منظومات المياه في العراق استحدثت معها مزيدا من الاسماء وتداخلت المسمّيات ببعضها، وذلك ما يتسبب عادة عند الكثيرين بخلط والتباس بين مسميات العديد من الانهار. وهكذا هو الحال بالنسبة للنهر الثالث في العراق الذي لا يسلط الضوء عليه كثيرا رغم ان هناك تشكيل اداري في وزارة الموارد المائية باسم “دائرة المصب العام”.
من شمال بغداد وحتى تخوم الخليج يمتد المصب العام حاملا معه مخلفات المناطق الزراعية ومياه الفيضان، المساحات الزراعية الكثيرة المنتشرة في العراق في العقود السابقة تطلّبت ايجاد مبازل ومنافذ لمخلفات الاراضي الزراعية وفائض المياه، من هنا جاءت فكرة المصب العام من اجل استيعاب جميع المبازل الصغيرة في منفذ رئيسي.
وهكذا تمت المباشرة في بناء المصب العام بداية الخمسينات من القرن الماضي، ثم بين الحين والاخر يتم انجاز مرحلة جديدة لذلك المشروع حتى وصل الى مشارف الخليج. وقد اشرفت على بنائه شركات عديدة، امريكية، بريطانية وهولندية وهناك بعض المراحل تم الاتفاق على انجازها من قبل شركات برازيلية لكن ظروف الحرب حالت دون اكمالها.
المصب العام ادى الى استحداث مسطحا مائيا بين محافظتي القادسية وواسط، يسمى هور او بحيرة “الدلمج” اذ تشكّل مياه المصب العام المغذي الاساسي لتلك البحيرة، الدلمج اصبح رقعة جغرافية مهمة لصيد الاسماك وبيئة مشابهة الى حد كبير لبيئة الاهوار.
المصب العام مرتبط بالأهوار بشكل او بآخر ليس فقط لانه يغذي هور الدلمج بل ايضا يغذي مساحات اخرى من الاهوار. فقد تقرر عام 2008 استحداث قناة مائية “قناة الكرماشية” تمر عبر الكرماشية في محافظة ذي قار من اجل تغذية هور “الحمّار” الواقع بين محافظتي ذي قار والبصرة بعد انخفاض مناسيب المياه وقلة الاطلاقات المائية التي تصله. هكذا كان المصب العام ولا يزال يحكي قصة ستة عقود من المتغيرات البيئية في العراق.