” قال ماركس.. قال لنين”
قد تكون النخب العربية الحديثة والعراقية من أسوأ، ان لم تكن هي الأسوأ من بين النخب الحداثية التي ظهرت في العصر الحالي خارج اوربا على وقع نهضة هذه وبتأثيرها، فهي لايمكن مقارنتها بالنخب الامريكية اللاتينية التي انتجت ادبا عالميا رائعا، واسهمت في العديد من المجالات، واختطت طريقا خاصة في النضال الوطني. كما لايمكن ولايجوز ان تقارن بالنخب اليابانية مثلا، او الهندية واسهامها التكنولوجي المتاخر او إبداعية غاندي، او الصينية، ناهيك عن الروسية. فالنخب العربية هي في اخر القائمة واسفلها، اتسم حضورها ونشاطها بالكسل، والنقل، وضيق الأفق، والادعاء، والغرق بالوعي الزائف، مع غلبة النزعة الايمانية القطعية، و تبني نظريات وتصورات منقولة، والادمان على اعتمادها، ليس لكونها حقائق قابلة للنقاش، بل بدوافع مصدرها رغبة مزيفة لاتتوخي الحقيقة او الصدق، هذا عدا عن انعدام الإخلاص للفكرة، او تكريس الحيوات للجانب الأهم في اية حركة كانت، وتقديمه على المنحى العملي الغالب، ماجعل العمى سيد حياة هذه القوى، خلافا لقاعدة الفكرة التي تسبق الحركة، الملخص في”لاحركة ثورية بدون نظرية ثورية”.
وينطبق هذا التوصيف على معتنقي الماركسية كما يسمون انفسهم من خالد بكداش الى فهد، الى فؤاد نصار وعلي يعته، وشهدي عطية الشافعي، فلا احد من هؤلاء قدم اية إضافة للفكر الإنساني، او تميز بابداعية زادت او نقصت، تنم عن خصوصية مكانه وتجربته الحضارية، مع ان هؤلاء كما يفترض، وكما ينبغي لهم ان يعتقدوا، هم ابناء مكان متميز حضاريا، واسهم في التا ريخ الإنساني اسهامات لايمكن نكرانها. وفي العراق، تميز هؤلاء بالجهل والادعاء قياسا بواقعهم وارث بلادهم، من فهد الى بهاء نوري الى رحيم عجينه والابله الأكبر زكي خيري ومعهم عزيز الحاج وغيره كثر، والاهم هو اعتقاد هؤلاء بانهم “علماء” زمانهم وعصرهم، وهم مجرد مهمشين اجتماعيا، وجدوا أفكارا سعوا للتعرف على عمومياتها، وتبنيها من خارج عالمهم الذي ينتمون اليه، تعاملوا معها بجهل وببغاوية، وبلا ادنى حس ابداعي، او قدرة على تحسس الضرورات التاريخية، وحين كانوا يحاولون التفكير في أوقات متاخرة، كانوا يظنون ان ازماتهم راجعه الى عدم ترجمة “راس المال”، وحين ترجم لم يقراه احد، وثبت انه تعويذة زائفة، وذلك ينطبق حتى على مجالات العمل الاكاديمي، فلا إضافة تذكرفي علم الاجتماع ولا التاريخ ولا الادب الذي لم يخرج حتى في مدرسة التاريخ العراقية التي يشيد بها عبدالله العروي المغربي، عن الصدوع لدواعي ومحفزات الحاضر الخاضعة لقوة هيمنة النموذج الغربي.
هل يمكن مقارنه هؤلاء بالقرامطة في زمن غلبة الإسلام وجدته، حتى مع ضياع تراثهم وعمل منظريهم العظام، او بابداعات سومر وروحها المساواتية الكونية الخلاقة، او بالابراهيمة اعظم رؤية كونية عرفها البشر، او بالجاحظ واخوان الصفا والمعتزلة والمتصوفة، لا هؤلاء ولا من اخترعوا لنا مفهوما “قوميا” لاوجود له الا في مخيلتهم، ولا من تبنوا الليبرالية الغربية ومازالوا، خرجوا عن كونهم ابناء حقبة هي استمرار لزمن لم ينته من التردي والانحطاط الطويل، لم يجرالخروج منه الا بالتخيل والادعاء، فكل ماحصل هو استبدال للعثمانية بالغرب ومفاهيمه، و” الكرعة تتباهى بشعر بنت عمها”، اين هي النهضة، وماهي مؤشراتها الذاتية التاريخية الملموسة، وأين وجدت؟ في مصر التي جاءها الباني ليسوقها الى “الحداثة” بالقوة وفرض الإرادة باسم الدولة المصرية النافذة تاريخيا والمستبده؟ ام بشبيهه العراقي المفترض، داود باشا 1817 / 1831 الوالي الجبار، الذي هو صعود مشروع المماليك وردهم على تعاظم قوة المشاعية القبلية الجنوبية المنتفكية بعد انتصارها وفرضها بحرابها الوالي سعيد ابن سليمان باشا الكبيرواليا، وهو ماقاله داود في رسالته للباب العالي وهو منفي ولاجيء لدى ال بابان في شمال العراق “ان سعيدا قد حكم العرب اهل الغشامة والجهل” قبل ان يحضر الى بغداد ويذبحه في حضن امه التي هي خالته، ويعتلي كرسي الولاية مكانه.
لم تحدث اية نهضة في التاريخ العربي والعراقي على الاطلاق، حدث تغير واستبدال في ظروف الولاء والخضوع من “العثمانية” الى ” الغربية” الاوربية، مع مايقتضيه مثل هذا الاستبدال من ترتيبات معرفية وسياسية ملائمة طابعها نقلي بحت، اما النهضة بما هي تعبير عن توثب الذاتية الحضارية تاريخيا فما تزال قيد المجهول والزمن.
ـ يتبع ـ
عبدالامير الركابي: كاتب ومفكر سياسي