ما يميز السينما عن سواها من الفنون انها تشكل عوالمها بالأضواء على النقيض من الكتابة فهي تسبل الظلام على الضياء حيث يقتضي التواصل فيها ظلاما دامسا يحيط بالمتلقي من الجهات جميعا فلا يترك له كوة ليطل منها على الوجود حوله غير تلك النافذة/الشاشة التي تُفتح أمامه على عالم المخرج بعدسته، ولهذا العالم المصطنع وطأته على مستوى الإدراك والتمثّل فتعمل القاعة المظلمة على عزل المتفرج عن محيطه الخارجي وعن سياقه الاجتماعي وعن الزمن الميقاتي المشترك، وبالجملة تفصله عن اليومي وتأخذه إلى عوالم بديلة عن واقعه الفيزيائي، ولهذا العزل عن المحيط الخارجي تبعاته على مستوى الإدراك فالمكان المفرد وستار الظلام الذي يقي المتفرج من العيون المراقبة والصمت من حوله يوفر له قدرا من الحصانة ويجعل منه كائنا متلصصا وإن لم يهدف إلى الاشباع النفسي عبر اقتحام حياة الآخرين وإنما يجعله يبحث في ذاته ضمن الغيرية التي تعرض أمامه فتتجاوز العين قدرتها وتدرك من خلال ما يعرض أمامها المواضيع المرئية والذوات الرائية في الآن ذاته فتعجب بها أو تنفر منها وبالجملة تدرك عملية الإدراك نفسها وتجعلها موضوعا لتأملها ونقدها، وهذا ما يسهم في إخراج احتمال المعنى من كمونه ومنحه حياة جديدة ناشئة تمثل المتفرج المتلصص المشروط بوحداته الثقافية وتجاربه الحياتية. ( ينظر: الفيلم الوثائقي في مئويته الثانية، مجموعة باحثين، الجزية الوثائقية و الدار العربية للعلوم، بيروت- الدوحة، 2015: ص97) قد يكون الكلام هذا عاما يخص أي عرض سينمائي، فظروف العرض واحدة، والظلام المحيط به هو الظلام نفسه في الأفلام السينمائية كلها، والنافذة هي هي، لكني أراه ينطبق أكثر على الأفلام الروائية، التي لا تخلو من الخيال أو انها تعتمد عليه أكثر من اعتمادها على الحقائق إلا في حالات تستلزم الاعتماد على ما جرى واقعا، وهذا السبب نفسه يدعوني للتفكير بتوظيف هذه العبارات في الحديث عن فيلم (الحلم الكردي)، إذ من الممكن أن يذهب المشاهد منا -أيّ مشاهد- إلى صالات السينما هربا من واقعه اليومي إلى نافذة بيضاء يرى فيها ما لا يراهفي حياته اليومية أو يتمتع بمناظر أو أحاسيس بعيدة/ممنوعة عن وجوده اليومي أو في ظل مجتمعه المحيط به، فماذا لو كانت تلك النافذة تعيده إلى واقعه اليومي ذاته وقضاياه ذاتها؟ هذا الامتزاج بين الانفصال عن الواقع وواقعية ما يعرض على الشاشة أو حقيقيته تلك، هو لعبة يلعبها الوثائقي الذي يعرض على الشاشات السينمائية. اذ يرى المتلقي حياته نفسها على الشاشة برؤيتهلقضاياه الاجتماعية والسياسية والقومية، من خلال وضعه في وضعية المواجهة الفردية/ الجماعية بينه وبينها، جماعية من حيث طبيعة التلقي السينمائي الجمعي اعتمادا على العزلة المحاطة بالظلام التي تحيط بالجميع لاغية الفوارق الجسدية والاجتماعية بين المتفرجين المجتمعين، وتجعل منهم مجموعة متساوية خاضعة لسلطة العرض الفيلمي وحدها وما تطرحه من قضايا مما يوجِد للسينما “بعدا طقسيا يتحقق على مستوى الحركات المعادة آليا، المجسدة بآليتها البعد التذكيري للطقس، ويتحقق على مستوى الوظائف العاملة على توسيع تمثلات المجموعة بفتحها على آفاق جديدة (….) وبالجملة يضع الفيلم القيم المشتركة حيّز التساؤل فيتسنى للمتفرج بالتبعية إعادة فهم حياته باعتباره فردا من أفراد المجموعة ويعيد ضبط قيمه من خلال مقارنة ممارساته مع المثالي، وتدفعه الفرجة السينمائية إلى الاندماج في اليومي من جديد” (الفيلم الوثائقي في مئويته الثانية: ص98) وفردية في الوقت نفسه من خلال العزل الذي تمارسه طقوس العرض السينمائي على المتفرج -وسبق ذكر ذلك- ليواجه كل متلق موجود في صالة السينما مصيره بنفسه في الوقت ذاتهالذي يواجه فيه المصير الجمعي مع أقرانه المتفرجين المحيطين به بلا أي فرق بينهم.
تنبع خصوصة الفيلم الوثائقي من اشتغاله بالأساس على العالم الذي يحيط بنا، كما يقول المخرج (بول روثا) ويضيف أن الوثائقي “يركز على الفكرة بدلا من الحبكة الروائية، وعلى الأحداث الواقعية والشخصيات الحقيقية بدلا من الأحداث والشخصيات المتخيلة، إلا ان الكثيرين يرون أن هذه القوالب بديهيات فمن وجهة نظرهم ينبغي الاعتراف بأن اختيار فكرة الفيلم في حد ذاتها ينبع من قناعات المخرج في كيفية تناولها وإلا تحولت إلى ريبورتاج، وعندها أيضا لن ننزع عنه ما ينقله وما يسعى أصحابه إلى إعمامه على المشاهدين” (الفيلم الوثائقي: قضايا وإشكالات، مجموعة باحثين، الدار العربية للعلوم ناشرون، وقناة الجزيرة الوثائقية، بيروت- الدوحة، 2015: ص187) في فيلم (الحلم الكردي الحرب أو السلام) للمخرج الكردي (كاي بهار) نجد اندماج المتلقي في قضايا الفيلم الحقيقية يبدأ مع الثانية الأولى من انطلاقه، إذ يبدأ الفيلم مع بداية السنة الكردية، مع (يوم نوروز) الحادي والعشرين من آذار، والإشارة الأولى في التاريخ لثورة الأكراد على الظلم من خلال أسطورة كاوة الحداد والملك الضحاك، واشعال النار إيذانا بالانتصار وتحقيق الحرية آنذاك، هذا التقليد الذي مازال ملازما للأكراد حتى الآن، ويوظفه المخرج في المكان الأنسب للإشارة إلى طبيعة كردستان رابطا إياه مع الأسطورة الأصلية من خلال استعمال جبل عقرة ومراسيم نوروز المقامة فيه، مع لقطات عامة تصور مساحات واسعة من هذه الاحتفالية بالحرية المتجددة والمتكررة كل عام، مرافق للتعليق الصوتي الذي يؤديه المخرج نفسه متنقلا بين صيغة المتكلم والغائب وهو يروي إشارات مختصرة إلى بدايات السنة الكردية وما يتعلق بها وموقف النظام السابق منها ومجابهة طقوسها بالمنع. والتعليق الصوتي يستخدم في الكثير من الأفلام الوثائقية تزامنا مع الوثيقة البصرية الموظفة فيها، ويقَدّم غالبا منخارج الوثيقة ويعد تدخلا ذاتيا في هذه الوثيقة يؤدي إلى احداث تأثيرمعين في ذهن المتلقي (ينظر: سينما الواقع دراسة تحليلية في السينما الوثائقية، كاظم مرشد السلوم، بغداد، 2012: ص41) غير أن التعليق الصوتي في فيلمنا قيد التحليل ينطلق من داخل الكادر نفسه، على الأغلب؛ ليضاعف من التأثير المبتغى إحداثه في المتلقي من خلال اندماج المتكلم في ما يطرحه من افكار وقضايا في الفيلم ليصل إلى المتفرج بطريقة أكثر تأثيرا.
يتحول بعد ذلك الفيلم من العام إلى الخاص، من معاناة الأكراد عامة مع الظلم وانتصارهم عليه إلى معاناة الايزيديين مع الظلم ذاته من خلال لقطات الخراب والتحطم التي نراها ونسير معها إلى ان نصل الى الفتاة التي ستروي قصتها لنا، وقد نرى في هذا الاقتران بين نوروز (التاريخ) وبين هذه الحكاية (الحديثة) نوعا من الاستشراف لمستقبل أفضل ولانتصار من الممكن أن يتحقق وتأول إليه الحكاية الحديثة مثلما آلت إليه الحكاية القديمة، وهذا ما يتحقق في نهاية الفيلم.
رسالة الفيلم الرئيسة تدور في فلك تحويل القضية الكردية إلى قضية عالمية وهذا ما يكشفه المخرج/الراوي منذ البداية ولاسيما في جملته (إن لم أستطع ان اجلب العالم إلى كردستان فاني سآخذ كردستان إلى العالم) الجملة التي يتلوها عدد من اللقطات العامة لطبيعة كردستان، ثم الانتقال لتحقيق هذا الهدف إلى جو السرد المباشر الذي يأخذ فيه المخرج (كاي بهار) مكان الراوي الأقرب الى رواة الملاحم والحكايات الشعبية على جمهور ليس بالجمهور الاعتيادي، إنما هم مجموعة من الشخصيات المقنعة التي تمثل كل واحدة منها معادلا لدولة من الدول، باستخدام الاقنعة وهي مفردة مسرحية للدلالة على شخصيات الدول بعينها ذات التوجهات المادية/ الاستعمارية، يروي لهم قصة كردية من خلالها يبين ان القضية الكردية قضية عالمية لا موقف مضاد للشعب الكردي تجاه شعوب العالم بصفتهم الانسانية انما الاشكالية حاصلة مع التوجهات الفكرية/ السياسية التي توقع الظلم على الأكراد وتسلبهم حقهم في إقامة الدولة الكردية، وإنسانية الشعب الكردي وردت عليها اشارات متعددة في الفيلم ابتداء من تجمع (سيرك) وانتهاء بتفاعل افراد البيشمركة على الحدود الخاصة بمدن الاقليم مع الاطفال والعوائل النازحة ومساعدتهم والتعامل معهم والتودد اليهم.
تابع الراوي مسيرة الحلم الكردي ابتداءً من الحرب العالمية الأولى 1916 واتفاقية سايكس بيكو ثم ينتقل إلى رواية سيرته الذاتية من خلال سيرة هذا الحلم، وإيمانه به، وبتحقيقه وهنا تبدأ وجهة نظر المخرج الشخصية وذاتيته بالوضوح في مسيرة الفيلم، والإشارات المتعاقبة إلى تاريخ الأكراد الحديث من خلال الحديث عن الابادة الجماعية التي تعرضوا لها على يد النظام السابق في حلبجة والانفال، من خلال توظيف صور الحقيقية من التقارير التلفزيونية وما نقلته وسائل الاعلام من توثيق صوري لما حصل من مجازر آنذاك، على اثرها يقرر الراوي/ المخرج العودة الى كردستان؛ لانقاذ ما يمكن انقاذهم من أهله وأخذهم الى الامان في اوربا.
هنا نستذكر تقسميم جريرسون للإنتاج السينمائي التسجيلي (الوثائقي)، إذ قسمه إلى مستويين أو نوعين لكل منهما أهدافه الخاصة وأسلوب إعداده المميز ومجالاته الأول هو الذي يجب برأيه أن يقتصر عليه مصطلح Film Documentary، وهي الافلام التي تتضمن مغزى سياسيا اجتماعيا وتقدم معالجة خلاقة لموضوعاتها وتعكس وجهة نظر المخرج، ويصطلح عليه بأنه (مستوى أعلى) وهذا المستوى الذي أرى فيه فيلم الحلم الكردي، إذ لا يقدم الفيلم الوثائق والحقائق تقديما فقط أو جمعا خاليا من الابتكار وإبراز وجهة النظر الخاصة بالمخرج، والثاني مستوى أدنى أو أقل: وهو الذي يشتمل على بقية أنواع الانتاج السينمائي التسجيلي كالجرائد والمجلات السينمائية والأفلام العلمية والتعليميةوأفلام الرحلات التي تعكس بدورها الواقع فقط دون تقديم رأي أو تحليل (الفيلم الوثائقي في مئويته الثانية: ص112)، والمخرج يلجأ إلى ما يعرف بإعادة بناء الحدث من خلال التمثيل أو الرسوم، من خلال توظيفه لعدد من اللقطات التي يرمز بها الى اعادة بناء كردستان من خلال الفتاة والشاب بالملابس التقليدية الكردية اللذين تختفي ملامحهما الخاصة تحت العلم الكردستاني، ويذهب بعض النقاد في الغرب إلى التقليل من شأن هذا الاسلوب/النوع الوثائقي الجديد ولأنه – من وجهة نظرهم- لا يقدم الواقع بصدق بل يتلاعب بالمادة بقصد إثارة المشاعر وتحقيق نوع من الصدمة للمتفرج،وهذا ما اراه نقطة إيجابية في الفيلم، ذلك لأنه عالج أكثر من قضية تصب كلها في مصب القضية الكبرى، وكانت تلك المشاهد أداة الربط المميزة بين كل تلك القضايا، وفضلا عن الرافضين لهذا الأسلوبفإن الكثير من نقاد الوثائقي يرون أيضا ان التلاعب بمادة الفيلم الوثائقي السينمائي كانت دائما موجودة (الفيلم الوثائقي في مئويته الثانية: ص133) لذلك لاخلل في اللجوء إلى مثل تلك التقنيات في الفيلم الوثائقي الذي يتعامل مع الحقائق وينقلها، ولا انسى هنا ان اشير الى ما تعمده المخرج من رمزية المانشيتات التي كتبت على الجرائد في أيدي ممثلي الدول المستمعة، الممثلة بالاشخاص المقنعين، امريكا (Oil business ) تركيا (Ottoman Impair )، وغيرها، وقد اكتفت باللونين الاحمر والاسود في الكتابة وهذه اشارة لاتكاد تخفى الى اتجاهاتهم.
وهذا الاتجاه من الممكن ان يصنف على انه من الدوكيودراما Docudramaوالذي يعرف على انه “الفيلم الذي يستند إلى وقائع وشخصيات وأحداث حقيقية يصوغها صانع الفيلم في سياق درامي تمثيلي”( الفيلم الوثائقي في مئويته الثانية: ص125)، في فيلم الحلم الكردي نجح الراوي/ المخرج في نقل السرد المباشر إلى تخييل/إبداع عن طريق تحويل التعليق ورواية الاحداث من الطريقة التقليدية الى طريقة اكثر ابتكارا طرح عن طريقها المشكله بلا اعتماد على حوارات ثابتة، أو لقاءات مكتبية طويلة أو متعددة، فضلا عن كون الراوي هنا مرئياوليس صوتا فقط، وهذا ما جعله اكثر اندماجا بقضايا الفيلم، ما ادى به الى الابتعاد أحيانا عن الموضوعية في الطرح، وهذا ما يعبر عنه صراحة عندما يتكلم عن انه حاول البقاء موضوعيا قدر الامكان لكنه لم يستطع ذلك، لأن الدماء الكردية تجري في عروقه، ومسألة الذاتية والموضوعية في الافلام الوثائقية نوقشت كثيرا، ومع كون الموضوعية إحدى متطلبات الافلام الوثائقية إلا ان الناقد عدنان مدانات يرى ان “الموضوعية مفهوم ملتبس ومطلب صعب المنال في معظم الأحيان مثلما هو الحال ايضا بالنسبة إلى مفهوم الحقيقة ذاتها” (الفيلم الوثائقي: قضايا وإشكالات: ص144) ولاسيما بعد ادخال عنصر جديد على بنية ومنهجية الفيلم التسجيلي وهو صوت المعلق الذي صار يتدخل في الحدث ويشرح ويحلل عاكسا بذلك وجهة نظره بوصفه صانعا للفيلم، أي ان ما يقوله المعلق صار وسيلة تعكس بوضوح وجهة نظره وموقفه الذاتي “ولم تكتف السينما التسجيلية باستخدام صوت المعلق في غمار رغبتها في التأكيد على مصداقية قصتها وموضوعية سردها سرعان مالجأت إلى استعمال وسيلة تعبير جديدة هي المقابلات الحية مع الاشخاص الذين يظهرون في الفيلم. جاء شيوع المقابلات في السينما التسجيلية ليعوض الخلل الذي شاب هذا النوع من السينما والناتج عن تدخل التعليق مما أدى إلى غلبة الذاتي على الموضوعي فجاءت صيغة المقابلات كحل يعيد للسينما التسجيلية موضوعيتها أو على الأقل يوهم بذلك” (الفيلم الوثائقي: قضايا وإشكالات: 140 -141)، ولهذا ايضا نجد المقابلات في الفيلم تعددت وتعدد الضيوف بمختلف توجهاتهم وآراءهم محاولة لاعادة الموضوعية الى الفيلم، أو على اقل تقدير المحافظة على وجودها جنبا الى جنب مع وجهة النظر الخاصة بالمخرج.
عند الاستمرار مع مسيرة الفيلم والوصول معه الى مرحلة داعش وما تجره على الاقليم من حروب، ركز الفيلم أيضا على تعدد الاديان وطبيعتها في الاقليم من الديانة اليزيدية الى البهائية الى الزرادشتية، والاسلامة، ومعابدها وعدد من طقوسها، ومن خلال هذا يحاول المخرج أن يعكس ان حلم اقامة الدولة الكردية ليس حلما للاكراد وحدهم انما حلم المكوناتالتي تعيش في مناطق الاقليم كلها ، بمختلف اديانهم وانتماءاتهم الاخرى، الى ان ما يجمعهم هو الانتماء الواحد الى الوطن الواحد كردستان، يسعى الى تحقيقه الاكراد ومن معهم.
سارت العاطفة صفا الى صف مع الصورة السينمائية المتقنة والاتجاه العقلاني والتساؤلات المنطقية التي يطرحها الفيلم، من خلال مجموعة اشياء اهمها الصورة السينمائية الاحترافية، دقة اللقطات والاعتماد على اللقطات العامة أكثر من اللقطات القريبة والقريبة جدا، الا عندما تقتضيه جزئية معينة في الفليم، ومن اللقطات القريبة التي اراها معبرة جدا في الفيلم، اللقطة التي بدأت من (37:58) لثواني عديدة ركزت فيها الكاميرا على مجموعة من أزواج لأحذية المقاتلات والمقاتلين وهذا التركيز عليها وعلى تفاصيلها التي تظهر للمشاهد بصورة واضحة، مرّ ايضا بعض الاحذية في لقطات سابقة لكن ليس بهذا التركيز “فالحذاء المتواضع الذي يعاني جروح العالم بسبب الشراسة النابعة من ظلم البشر يبقى هدفا للاضطهاد وهجمات الصعاليك الذين يطلقون عليه رصاص أحقادهم، ولكنهم لا ينالون شيئا من غيرالكعب الثابت في وجه العنف، إن الحذاء المضطهد يختصر بنزيفه مأساة الانسان المقهور في مجتمع يفتقر إلى القيم السامية (…) وتتسع دلالة الحذاء في اللاشعور لتشمل هوية الإنسان بكامله” (رمزية القدم والحذاء في الأدب والفن، د. خريستو نجم، الدار العربية للموسوعات، بيروت، 2008: ص117 – 118) فإشارة الأحذية هنا إلى الإنسان المحارب وإلى الوقوف بوجه الخصم والثبات على ذلك، رغم ما فيها من تعب واضح، وتظهر بعد ذلك الشخصيات في اللقطة المتوسطة البعيدة اللاحقة بلا احذية – وهذا بديهي- وصحيح أن القدم العارية/ الحافية ذات دلالة جنسية عموما في الأدب أو الفن خاصة ان ارتبطت بالانثى، الا انها هنا اخذت دلالة مختلفة تماما “فالحذاء المخلوع هنا كالهوية المستلبة التي تترك القدم نكرة بل تترك المرء كسيحا بلا قدمين” (رمزية القدم والحذاء: ص119) فالهوية التي يحاول (داعش) استلابها من المنطقة –سنجار- ومن سكانها من الكراد، والايزيديين الذين مارست عليهم تلك القوى الغصب والسلب للدين والقومية واجبرتهم على التخلي عنها، ليتولى بعد ذلك المقاتلين فيها ذكورا وإناثا الدفاع عنها ويعملون على استردادها بالسلاح الذي يواجهنا بعد لقطة الاحذية بلا قطع ولا فاصل زمني، وهذا ما تصر عليه المقاتلة في كلامها بعد ذلك.
تذهب د. أمل الجمل إلى “إن عددا من الافلام الوثائقية السينمائية ينجح في إقصاء الموسيقا التصويرية ونفيها عن العمل ومع ذلك يأتي العمل شديد الواقعية والصدق لأنه يحمل بداخله موسيقاه الخاصةالناجمة عن عناصر فنية عديدة” (الفيلم الوثائقي في مئويته الثانية: ص143)لكن فيلمنا هنا يوظف الموسيقا التراثية الكردية في لقطاته ومشاهده/ وارى انها ادت دورها أداءً موفقا ونقلت الروح الكردية التراثية الى سامعيها خاصة مع المناظر الطبيعية الكردستانية، وموسيقا الناي مع المنظر العام للمخيمات الايزيدية.