لعل ما يحدث في اليمن وما تتعرض له من عدوان سعوعربي غاشم يمهد لانتقال شعوب دول الخليج من حالة السبات والدعة والركود السياسي الذي تعيشه تلك الشعوب التي استطاعت أنظمتها إدخالها فيها بطرق وآليات مختلفة، إلى حالة من التثوير والرفض الثوري للأوضاع في تلك الدول التي تسيطر شريحة ضئيلة جدا فيها – الأسر المالكة والحاكمة – على كل مقدرات وخيرات تلك الدول، وما تجود به من فتات وخيرات تلك الأرض لا يساوي مثقال ذرة مما يعيثون فيه الفساد من خيرات شعوب ودول تلك المنطقة.
وما ندعو إليه أبناء تلك الدول وتحديدا أبناء نجد والحجاز، هو أن يخرجوا على تلك الأسر الظالمة، وأن يشبوا عن الطوق، فالعالم من حولهم يعيش أبناءه حياة ملؤها كرامة وعزة وكبرياء ولا يقبلون أن يقًبلون الأيادي أو الأنوف أو الأقدام كما يحلوا لتلك الأسر أن تتعامل به مع أبناء تلك الشعوب، ولا يقبل إنسان كائن من كان أن ينادي إنسان مثله – بل قد يكون أقل منه مكانة وإنسانية – بكلمة سيدي أو مولاي فسيدكم هو الله جل في علاه ومولاكم الخالق، فهو وحجة من له الألوهية وهو من يجب أن ندعوه ونتضرع إليه قائلين سيدي ومولاي رب العالمين، وليس كومة من اللحم المترهلة تلبس لباس مطرز بالذهب وتعمل الموبقات والمحرمات وتقولون له سيدي ومولاي.
ليس الملك أو الأمير أو الشيخ ولي النعم التي يتغنى بها منافقو تلك الأنظمة من أبناء جلدتهم أو من الكتاب أو أشباه المثقفين العرب الذين يلهثون وراء الريال والدرهم والدينار- وما أكثرهم في زمننا هذا، وخاصة خلال ما تعرض له اليمن عدوان غاشم من قبل تلك التجمعات البشرية التي تعتقد أنها دولاً، وهي في حقيقة الأمر إقطاعيات تمارس فيها تلك الأسر ( الابارتهيد) والتمييز العنصري على مسمع ومرأ جميع المنظمات التي دوشتنا ليل نهار عن حقوق الإنسان وغيرها من الاسطوانات المشروخة التي بان زيفها وكذبها وارتهانها للبترو دولار-.
نقول بأن ما تشهده اليمن من دفاع عن أرضها وعرض وشرف مواطنيها ضد العدوان السعوعربي قد يبعث الأمل في النفوس الحية والشريفة من أبناء تلك الدول الواقعة تحت الابرتهيد الذي تمارسه تلك الأسر المتكلسة والمصابة بجميع أمراض العصر جسدياً وفكرياً، ويحث أصحاب تلك النفوس الحية إلى الثورة على أسيادهم الذين يمتلكون كل شيء في تلك الدول، تحت ذرائع ومبررات ما أنزل الله بها من سلطان، كالحق الإلاهي الذي يعتبرونه مصدراً لشرعيتهم حيناً، والمكرمات التي ينيمون شعوبهم بها تارة ويستعبدونهم بها تارة أخرى، فلا يوجد خليجي واحد – من عامة الشعب – ليس مكبلاً بأقساط مفروضة السداد نتيجة للقروض التي تمنحها لهم تلك الأسر عبر مؤسساتها التي تزعم أنها مؤسسات حكومية، لكنها في حقيقة الأمر ملكاً لأبنائهم اليافعين الذين يمنحوهم فرصاً للتدريب على امتهان البشر من خلال تلك المؤسسات النقدية أو الشركات أو المؤسسات التجارية أو غيرها من القطاعات التي تستولي عليها تلك الأسر تحت مسميات أو أشخاص وهميون يبرزونهم للناس على أنهم رجال أعمال، وهم في حقيقة الأمر أتباع وخدام لتك الأسر يقبلون أيادي أفرادها ونعالهم، إن لزم الأمر.
والأدهى من ذلك كله أن تلك الأسر تستخدم بعض أبناء تلك الدول من اعلاميين وما يسمون أنفسهم رجال ومشايخ دين وغيرهم من الفئات التي من المفترض أن تقود هي ثورات التغيير في تلك الأنظمة لا أن تكون أبواقاً تروج وتسبغ على تصرفات وحماقات أسر الخليج الصبغة القانونية والشرعية الدينية – وأحياناً الإلهية – في كل ما يرتكبونه من حماقات، وأخرها ما أقحموا فيه دولهم من عدوان غاشم على اليمن أرضاً وشعباً، وقتلهم للمواطنين الأبرياء دون ذنب أو جرم ارتكبوه سوى أنهم يمنيون فقط، ولعل ما يجعلك تحتقر تلك الشخصيات والدما الأرجوزية التي يسمون أنفسهم رجال ودعاة دين، أنهم تناسوا أن أعلى درجات الجهاد قول كلمة حق عند سلطان جائر- وما أكثرهم في منطقة الخليج، مقارنة بما ارتكبوه في حق اليمن – لكنهم علماء سلطة يقتاتون مما ينافقون به أنظمتهم وأفراد الأسر الحاكمة والمالكة الذين يغدقون عليهم العطايا ويبوئونهم أماكن دنيوية لم يكونوا يحلموا في الوصول إليها إذا ما قالوا كلمة الحق أو صدحوا بها في وجه أي أمير أو شيخ في تلك الكانتونات – التي يحلو لهم تسميتها بدول الخليج -.
فالفضائيات المأجورة التي أنشئت بأموال شعوب الخليج من قبل أولياء نعمتهم – كما يحلو لهم أن يسمونهم – تطالعنا ليل نهار بأشخاص ووجوه ممقوعة ولا تفقه في السياسية أو الاقتصاد أو الاستراتيجية أي شيء ، ليبرروا ما ارتكبته أسرة آل سعود وبقية الأسر الخليجية المتكلسة من جرائم ضد أبناء اليمن، تحت مبررات وذرائع واهية ولا ترق إلى مستوى احترامهم لعقول المشاهدين من أبناء شعوبهم أو من أبناء الشعوب العربية الأخرى الذين لم يحركوا إلى اليوم ساكنا ضد جرائم آل سعود ومن لف لفيفهم من العقالات والدشاديش المطرزة بدماء الأطفال اليمنيين والنساء المكلومات في أبنائهن والآباء الذين ملئت الحسرة قلوبهم عندما يرون منازلهم وممتلكاتهم قد دمرت وأسرهم قتلت ومن يسمون أنفسهم عرباً لا يحركون ساكناً ولا ينصرون إخوانهم من أبناء اليمن.
نقول لأولئك جميعاً: ألم تهز كياناتكم وما تبقى من مشاعر إنسانية –أشك أنكم ما زلتم تمتلكون منها أي شيء – تلك المناظر مشاعركم أيه العرب أيه المسلمون، فمن لا يهتم لأمر المسلمين ليس منهم، وهنا نقول أن ما يحدث في اليمن قد يكون الشرارة التي تخرج من رحمها ثورات الربيع الخليجي – إن صح لنا تسميتها بذلك موازاة بما أسموه بالربيع العربي – لتستقر في قلوب ومشاعر أبناء وشعوب دول الخليج لتوقظهم من غفوتهم وتضعهم على الحقيقة المرة التي مفادها: أنهم كانوا مسلوبي الإرادة والقرار وأن من يتحكم فيهم ليسوا سوى شلل من العجائز الهرمة والشباب الأغرار الذين لا تؤهلهم إمكاناتهم الشخصية أو العلمية أو خبرتهم الحياتية – إن وجدت – أن يديروا مقهى شعبي في أحد أحياء تلك الدول، أو حتى ملهاً ليلياً من الملاهي التي يرتادونها في أوروبا ومصر والمغرب، فما بالك بما يرتكبونه من جرائم ضد شعوبهم وضد أبناء الشعب اليمني.
ودعونا نستحضر ما تعرضت له قوات التحالف الغاشم من قتل وتدمير لعناصرها وآلياتها في ملحمة صافر بمحافظة مأرب اليمني يوم الجمعة 4 سبتمبر الجاري، عندما تجاوزوا الخطوط الحمراء في محاولة يائسة لاحتلال الأراضي اليمنية، فما كان من أبناء القوات المسلحة والجيش اليمني (رجال الرجال) إلا أن قضوا على تلك القوات وأرسلوا العشرات من أبناء الامارات والسعودية والبحرين والأردن وغيرها من الجنسيات والقوات المرتزقة التي استعانت بها مملكة آل سعود لاحتلال الأراضي اليمنية جثثاً هامدة في صناديق الموت – وهو ما سعت مملكة آل سعود إلى اقحام تلك الدول وأبنائها في حرب ليسوا أكفاء ليدخلوها، فكون المملكة لا تمتلك ذلك الجيش الذي تستطيع من خلاله تنفيذ تلك العملية منفردة هداها تفكيرها عبر غلمانها إلى اشراك حلفائها من دول الخليج الذين أخذتهم العزة بالإثم معتقدين أنهم سيذهبون إلى رحلة برية من رحلات البر الخاصة بهم، فما كان منهم إلا أن وقعوا في شر أعمالهم.
نقول لأبناء الخليج ممن فقدوا فلذات أكبادهم في معركة ليسوا طرفاً فيها عظم الله أجركم في قتلاكم وجبر الله مصابكم في أبنائكم ممن سالت دمائهم على أرض مأرب الحضارة، وإننا والله يعلم لمحزونون عليهم، ولم نستخضر هذا المثل للشماتة أو التشفي في اخواننا من أبناء الخليج الشرفاء، لكنها إرادة المولى عز وجل، وتهور غلمانكم ممن سلمتموهم زمام اموركم ووليتموهم عليكم، والآن فلتجنوا ما أنتم جانون من خسائر في أرواح أبنائكم، وهنا دعونا نقف قليلاً، فلو أن أحدكم سأل نفسه سؤالاً منطقياً وبسيطاً: لماذا اخذوا أبنائنا إلى حتفهم، وتحت أي مبرر، وأين هي قضيتهم التي فقدو أرواحهم من أجلها، وأين هي الأرض التي يدافعون عنها ضد الغزاة اليمنيون، …..؟ وغيرها من التساؤلات المنطقية التي لن تجدوا لها إجابات حتى عند أسيادكم أو أمرائكم أو مشايخكم أياً كانت مسمياتهم، فالإجابة الوحيدة أنهم ذهبوا بهم إلى موتهم المحتوم، وهو مصير الغزاة المعتدين في تاريخ البشرية أجمع، وفي تاريخ اليمن على مر العصور، فالمقولة التي مفادها: أن اليمن مقبرة الغزاة لم تأت من فراغ، فهي حقيقة ماثلة أمامكم وما جثامين أبنائكم إلا دليل دامغ على مصداقية مظلوميتنا نحن أبناء اليمن، وأننا ندافع عن أرضنا وعرضنا ضد حكامكم المتهورين الذين سيوصلونكم إلى مشارف الهلاك إن لم تستوعبوا درس جمعة صافر وغيره من الدروس القادمة إن لم تعيدوا غلمان أسركم الحاكمة إلى رشدهم، وتقولون لهم لن نلقي بأبنائنا في محرقة اليمن.
ودعوتنا لكم كإخوة لنا في الدين والعروبة أن أفيقوا من غفوتكم وأن تأملوا مصائر أبنائكم ممن قتلوا في صافر وفي صحن الجن وغيرها من المواقع العسكرية اليمنية التي حاولت قوات أمرائكم وملوككم احتلالها، وهم ليسوا أكفاء للقيام بذلك، بل إنهم يلقون بكم وبأبنائكم إلى محرقة اليمن، ولن يرحم اليمنيون أي غاز أو معتدٍ على أرضهم مهما كانت علاقة الأخوة أو القربى التي تجمعهم به، فهم أولاظص وأخيراً غزاة طامعون في أرض اليمن، التي لن ينالوا منها قيد أنملة فما بالك بما يمنون أنفسهم به وهو الدخول إلى صنعاء الحضارة والشموخ.
أفيقوا يا أبناء الخليج وليكن ما تشهده اليمن من عدوان سعوعربي غاشم درساً لكم لتحرير أنفسكم وشعوبكم وأوطانكم من الدرن الذي خيم وجثم على قلوبكم وارواحكم ردحاً من الزمن، ولتكن اليمن بمثابة الشرارة التي تنطلق منها ثوراتكم على حكامكم الظالمون لأنفسهم ولكم في المقام الأول، وليفسرا كلامي هذا كيفما شاءوا – فقد ينافقهم البعض ويصنفون ما كتبته الآن في بند التحريض أو تأليب الرأي العام الخليجي – لكنها والله كلمة حق أصدح بها ولا أخشى فيها لومة لائم، فهي كلمة أخ محب لإخوانه من أبناء الخليج الشرفاء منهم، أما الأذلة والعبيد فلا بارك الله فيهم وجعلهم الله وقوداً لنيران قوات الجيش اليمني الأبي الصامد… ولا نامت أعين الجبناء
وحفظ الله اليمن من كل شر ومكروه.. وللحديث بقية.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء