مع انطلاق عملية تحرير الموصل فجر اليوم الاثنين، ينشغل العالم بأكمله في هذا الحدث المهم، كما لم يفعل منذ عام 2003، ما يجري قبل بدء المعركة ليس أقل مما سيحدث، إذ تشتعل الحرب التصريحات على أشدها بين بغداد وأنقرة، وتنتشر الاشاعات حول ما يجري أو سيجري بكثافة غير مسبقة، ثلاث ليال متتالية يتوقع المراقبون أن المعركة ستبدأ بعد ساعات، ثم يمضي الوقت لنسمع حديثا عن “أيام” بعد ذلك. ومخاوف وتحذيرات من انتهاكات ترد عليها تطمينات من القوات المحررة.
في ظل كل هذا التعقيد بحثت “العالم الجديد” عن قراءة ما يحدث من أقرب نقطة وبأكبر تفصيل ممكن، فحاورت الكاتبة والباحثة في مركز “المسبار” للدراسات والبحوث رشا العقيدي، إبنة الموصل المدينة، لتشكل أقرب صورة للحقيقة عما يجري حول تداعيات المعركة.
تصف العقيدي الوضع الإنساني داخل المدينة “بالصعب جدا”، مبينة أنه في حال “عجزت القوات المشتركة في المعركة عن تأمين ممر للمساعدات الانسانية، فلن تكفي المؤونة (التي يشتهر الموصليون بتخزينها) لمدة طويلة”.
وتضيف أن “النزوح من الموصل المدينة مستعصٍ وشبه مستحيل بسبب تشديدات عناصر داعش وبعد اقرب النقاط عن الممرات تجاه اقليم كردستان”، معتقدة ان “النزوح لن يكون كبير لصعوبته”.
“يصعب جدا توقع ماذا سيحصل مع داعش”، تقول العقيدي. وتعزو ذلك إلى “كون الموصل هي آخر معاقل التنظيم في العراق، بالاضافة إلى الاهمية الرمزية للمدينة بالنسبة لهم، وخصوصا مع الانباء الاخيرة عن خسارتهم لدابق في سوريا”.
وتبين أن “التعداد السكاني في الموصل هائل، والتنظيم يعلم جيدا ان حاضنته هناك لا تتجاوز المئات، وان انقطاع الموصل عن العراق بشكل تام هو ما قضى على امكانية للانقلاب على التنظيم، ولكن مع وصول قوات عراقية قد يتشجع الاهالي على التحرك، لكن قد يقاتل التنظيم من خلال الانغماسيين والانتحاريين والتفخيخ وتكون المعركة دموية، او قد ينحسب إلى جانب المدينة الاقرب للحدود السورية”، مضيفة “لا ارى ان داعش ستسلم المدينة دون قتال وسط تلاشي صورتها واسطورتها بشكل متتابع، لكن لا اعلم درجة الشراسة التي قد يقاتلون بها”.
وحول الملف التركي تقول العقيدي، إن “تركيا تبحث عن موطئ قدم دائم لها في نينوى، ورأت الفرصة مناسبة بعد ان دعمت بغداد او تغافلت عن استقرار حزب العمال الكردستاني في سنجار”. إذ ترى العقيدي أن العراق “فتح على نفسه باب صراع جديد في اشد المناطق تضررا في نينوى”، مؤكدة على “دور الـPKK في انقاذ الايزيديين بعد الكارثة التي حلت بهم”.
وتشير إلى أن “تركيا تبقى جارة ودولة استراتيجية مهمة للعراق، وعلى بغداد محاولة موازنة الامور بشكلها الأفضل”، ذلك ان “اردوغان في رأي غير سوي فأحلام السلطنة وامجاد العثمانيين تحرك الكثير من مواقفه، وانه وجد في التوترات الطائفية التي بقيت من غير حل او تهدئة، فرصة للعزف على وتر حساس جدا”.
وتعلق العقيدي على الاحاديث المتداولة حول وجود صفقات سياسية في المعركة: “اسمع عن صفقات سياسية من هذا النوع لكن مصداقيتها محدودة عندي. لا ارى مغزى عقد صفقة ثم الاعلان عنها؟”، نافية وجود دور سعودي في المعركة دون المرور ببغداد أولا رغم “التقارير التي تحدثت عن نقاشات بين وزيري الدفاع السعودي والتركي الاسبوع الماضي وكان للموصل نصيب منها”.
وتصف العقيدي تصورات أهالي الموصل عن الحشد الشعبي بـ”المبالغة الشديدة”، عازية ذلك إلى “الاعلام المغرض وتجارة الطائفية من قبل السياسيين السنة قبل الشيعة”.
وتلفت في الوقت ذاته، إلى وجود “شهادات وتوثيقات لانتهاكات وقعت في الفلوجة وديالى وتكريت، إذ لم تسع الحكومة العراقية الى محاسبة مرتكبيها، بالاضافة إلى أن تصريحات بعض قادة الحشد مستفزة ومرعبة وستخدم داعش في إشعال الطائفية بين أهالي الموصل وإخوانهم العراقيين، كما أنها تمنح لأردوغان قادة شعبية في الموصل”.
وتضيف “لا يمكن نكران الدور المهم للحشد او التكابر على تضحياته، لكن الموصل بغالبية سكانها تنظر الى المرجعية والسيد السيستاني بحذر وشك وعدم ثقة، وهي نظرة مغلوطة للاسف نتيجة تراكمات كثيرة. وهناك اشارات على تغير هذه النظرة بعد التنديدات الاخيرة ضد ايران وموقف التيار الصدري عموما، ولكن معالجة هذه النظرة من الاسلم ان تتم في مرحلة ما بعد التحرير”.
وتطالب “الفصائل التابعة للمرجعية في الموصل بالالتزام بتعليمات السيد السيستاني حول رفع العلم العراقي فقط، وعدم التجاوز على المدنيين والممتلكات، فليس من العدل ان نطلب من الموصل عدم القلق”، مشددة على أن “الجيش الوطني وحده هو الذي يعيد احياء الروح الوطنية التي قتلتها السياسة”.
وفي ما يخص المناطق المحيطة بمدينة الموصل، تعبر رشا عن مخاوفها الشديدة أزاء ما قد يحدث في تلعفر، بالقول “تلعفر ستكون على الارجح دامية جدا. الثأر في تلعفر بين الطرفين يعود الى عام 2003، وتمكن تنظيم القاعدة من التوغل فيها، ان غالبية داعش في نينوى اليوم من تلعفر، والتعاطف مع المدينة التي لابد ان يكون فيها ابرياء شبه معدوم”، مؤكدة على “حق أهالي هذه المناطق في تحرير أراضيها، على أن تكون هذه الجهات تحت مرأى الجيش وقوات التحالف درءا لاعمال الانتقام”.
وترى العقيدي في نهاية حديثها مع “العالم الجديد”، أن “تحرير الموصل من الممكن ان يكون هو الفرصة النادرة لاعادة بناء الجسور بين فئات الشعب، والتي عجزت حكوماتنا منذ تأسيس الدولة العراقية عن بنائها، سنندم جميعا لو اضعناها”.
رشا العقيدي: باحثة ومترجمة في مركز المسبار للدراسات والبحوث. عملتْ سابقاً في القطاع العام العراقي في مدينة الموصل بين عامي 2003 و 2011 ولها مشاركات عدّة في نشاطات المجتمع المدني العراقي، مثل مؤتمر “تيدكس بغداد”. حاصلة على شهادة الماجستير من جامعة الموصل في الترجمة. تساهم في مقالات حول قضايا عديدة تخص الشرق الأوسط في الصحف والمجلات منها “ذا أميركان انترنت”، “ذا ناشانول”، و“السياسة العراقية من الداخل”. ترجمت كتاب “حواضن داعش” الذي أصدره مركز المسبار بالإضافة إلى العديد من الدراسات والبحوث.