شهدت الأسابيع القليلة الماضية نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً وكثرت المبادرات والخطط المطروحة من أجل كسر الجمود على صعيد الصراع في سورية وإيجاد حل سياسي للأزمة السورية المستمرة منذ 5 أعوام، من يتابع تحركات داعش وطريقة مناوراتها، ودخولها على عدة جبهات يدرك جيداً أن هذا السرطان المستشري في الأراضي الرخوة سيقاتل أشد قتال من أجل البقاء والإستمرار، فمنذ إعلان روسيا تدخلاً عسكرياً برياً لمكافحة الإرهاب بعد موافقة الدولة السورية جعل كل من أوباما ونتنياهو وحلفاءهم يهرولون الى موسكو بعد الدور الذين لعبوه في دعم الإرهاب وإسقاط الأنظمة وتقسيم المنطقة الى دويلات متناحرة على أساس طائفي.
على ما يبدو وحسب مراقبين دوليين بدأ العد العكسي للأزمة السورية, فالرئيس التركي أردوغان توجه إلى روسيا في إطار تحركات دولية لإيجاد حل للأزمة السورية، والتدفق المتزايد لأعداد المهاجرين إلى أوروبا ورفض بعض الدول فتح حدودها أمامهم أدى إلى إرتباك واضح داخل عواصم الإتحاد الأوروبي، لذلك بدأ الإتحاد يمارس ضغوطاً على أمريكا وروسيا من أجل التسريع في إيجاد حل للأزمة السورية التي بلغت نتائجها قلب أوروبا، وفي محاولة للتقريب بين الموقفين الأمريكي والروسي، أجرت الدول الأوروبية الرئيسية تغييراً كبيراً في مواقفها السياسية من الأزمة السورية، وتقوم المقاربة الأوروبية الجديدة على ضرورة بقاء الأسد في المرحلة الإنتقالية والتفاوض معه على إيجاد حل للأزمة، وهذه المقاربة هي التي سيبنى عليها “جنيف 3″، وليس صدفة أن تخرج تصريحات أوروبية تدعم هذا التوجه في فترة زمنية محددة، فوزير خارجية إسبانيا مانويل مارغايو أعلن أن الوقت حان لإجراء مفاوضات مع الحكومة السورية كي لا تستمر الحرب في التسبب بمآس إنسانية، ووزيرالخارجية النمساوي سباستيان كورتس طالب الغرب ضم الرئيس الأسد وإيران وروسيا في محاربة داعش، فيما قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إن العملية الإنتقالية تعني مغادرة الأسد في وقت ما من العملية، وخطت ألمانيا نفس الخطوات بإعلانها أن الأسد يمكن أن يقوم بدور في العملية الإنتقالية، لكن التغير الأهم جاء من بريطانيا التي أعلن وزير خارجيتها فيليب هاموند تفهم بلاده لبقاء الأسد رئيساً لسورية في مرحلة إنتقالية مدتها ستة أشهر تمهيداً لحل هذه الأزمة المعقدة.
وفي سياق متصل صرح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري انه ليس بالضرورة أن يرحل الرئيس السوري عن منصبه فوراً، داعياً أياه للتفاوض، كما دعا كلاً من طهران وموسكو لإقناع الأسد بضرورة القبول بالحل التفاوضي، مشدداً على إن هناك حاجة ملحة لتكثيف الجهود لإنهاء النزاع السوري الذي دخل عامه الخامس، ويبدو ان واشنطن أُرغمت على قبول الحل السلمي للأزمة السورية بالطرق الدبلوماسية من خلال عجزها عن إسقاط حكومة الأسد رغم دعمها للجماعات الارهابية، وخشيتها من الدخول في نزاع مسلح مع روسيا التي عززت قواتها في سورية بشكل مكثف.
وفي السياق ذاته وافقت دمشق على مبادرة الرئيس بوتين بشأن تشكيل جبهة إئتلافية مضادة للإرهاب في الشرق الأوسط، والذي دعا فيها إلى تشكيل تحالف مع الغرب لمحاربة الإرهاب وهي مبادرة ستكون الحدث المركزي لزيارة بوتين إلى نيويورك للمشاركة في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في 28 أيلول من الشهر الحالي والتي سيجري خلالها مباحثات مع الرئيس الأميركي أوباما، وسيكون لها أثر متصاعد في المستقبل، لتصبح بذلك الأزمة السورية على رأس أولويات القادة الروس والأمريكان على الصعيدين العسكري والسياسي، وهذا يبعث رسالة مفادها أن الوقت قد حان لإيجاد حل سياسي لهذه الأزمة بالطرق الدبلوماسية، وتوحيد الجهود الإقليمية والدولية لضرب داعش ووقف تمويل المجموعات المسلحة ومنع عبور المسلحين عبر حدود الدول المجاورة لسورية.
بالنظر إلى تحالفات الحكومة السورية مع كل من إيران وحزب الله وروسيا والصين وفنزويلا ودول البريكس، فنجد أن هؤلاء الحلفاء قدموا لسورية كافة أشكال الدعم السياسي والإقتصادي والعسكري وهناك من قاتل إلى جانب الجيش السوري في ميدان المعركة، بينما المحور الدولي والإقليمي المقابل فنجد أن عدم الثقة هو الذي يحكم العلاقة بين أطرافه، فأمريكا أدارت ظهرها لحلفائها وامتنعت عن دعم إقامة مناطق عازلة في سورية، وهناك أيضا قنوات اتصال أوروبية مع الحكومة السورية على خلفية مكافحة الإرهاب وتحديد هويات الجهاديين الأوروبيين وتحركاتهم، كما أن تركيا والسعودية لا تثقان ببعضهما البعض على خلفيات أيديولوجية وهناك تنافس بينهما على زعامة السنة في المنطقة، كما أن علاقة مصر والسعودية ليست على ما يرام وتشوبها الشكوك المتبادلة على خلفية الحرب في اليمن، وهناك أيضا جمود سعودي أردني غير معلن، أما داخل البيت الخليجي فهناك تباينات في المواقف الإماراتية والكويتية من جهة والسعودية من جهة أخرى حول الملف السوري، كما أن سلطنة عمان تقف موقفا يخالف صراحة المواقف السعودية من القضايا ذاتها.
إن كل هذه العوامل والمعطيات تمهد الطريق أمام إنهاء الأزمة السورية لأن المحركين لعناصرها هم الدول الإقليمية والدولية، في إطار ذلك يعتقد المراقبون للأحداث في الوقت الحاضر إن الأزمة السورية بدأت تأخذ طريقها إلى الحل خصوصاً بعد تراجع واشنطن عن مطلب تنحي الرئيس الأسد كشرط مسبق لتسوية هذه الأزمة، وهذا الإنجاز المهم يحسب في الحقيقة لصالح حلفاء سورية الذين أصروا طيلة السنوات الخمس الماضية على ضرورة حل الأزمة السورية بالطرق السلمية، وأنه لابديل عن الحل السياسى، وأنه قد آن الآوان لذلك، خاصة مع تمدد التنظيمات الإرهابية والتكفيرية فى الأراضى السورية وتحولها إلى مصدر تهديد لمنطقة الشرق الأوسط بكاملها وأوروبا أيضا خاصة مع تنامى ظاهرة المقاتلين الأجانب، وبإختصار شديد يمكن القول أن اللعبة إنتهت بالنسبة لأدوات أمريكا في المنطقة بعد أن قرر حلفاء دمشق قلب الطاولة على الجميع في المنطقة، ولم يعد بإستطاعة أحد تحدي روسيا التي جاءت بكل ثقلها لضرب الإرهاب والدفاع عن سورية، وأصبحت المواجهة مع أمريكا وحلفاؤها وجهاً لوجه، وبذلك أسقط قرار روسيا وإيران وحزب الله الإنخراط عسكرياً في الساحة السورية الرهان على الفوضى وغيّر ميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط برمتها.
الدكتور خيام الزعبي: عضو بمنتدى القانون الدولي بجامعة القاهرة
Khaym1979@yahoo.com