يعد البرلمان ممثل الشعب في الحكومة بالانظمة الديمقراطية, كونه يمثل ارادة الجماهير التي اختارته للدفاع عن حقوقها, كما انه عين الشعب على الحكومة وسلوكياتها, فضلا عن دوره في تشريع القوانين التي تمس حياة المواطن الذي اوصله بصناديق الاقتراع لتمثيله في الحكومة. وعندما نطبق تلك الاسس على برلمان العراق ونوابه, نجد ان هنالك فرقا واسعا بين الاسس الحقيقية للبرلمان, وبين ممارسات مجلس النواب العراقي, الذي يقف بالضد من تطلعات الشعب وطموحاته, فطوال الدورات التشريعة السابقة بقيت القوانين التي تمس حياة المواطن حبيسة جدران مجلس النواب ورحل الكثير منها الى دورات متتالية, وبقي البرلماني بعيداً عن ناخبيه ومن اوصله الى قبة البرلمان.
والابعد من ذلك اصبح هدف البرلماني للوصول الى مجلس النواب هو “الكسب” والحصول على الرواتب المغرية, والحصص في الصفقات والمقاولات والتعينات, لا تمثيل الشعب والسعي الى ايصال صوته والمطالبة بحقوقه المسلوبة. واغلب البرلمانين لانراهم سوى مع بداية الانتخابات وانحسر دور اغلبهم على رفع الايدي وتكثير العدد, بل ينشغل اغلبهم بتقليب شاشة موبايله او صنع “صواريخ من ورق” لقضاء الوقت في جلسات البرلمان, ولايعلم ماذا يحدث وما يطرح, ويكمن دوره في رفع يده اثناء التصويت بعد ان يأمره رئيس الكتلة بذلك. لان حقيقة البرلمان العراقي الذي يزيد عدد اعضائه على 325 نائب انه يدار من مجموعة لايتجاوزن عدد الاصابع هم رؤوساء الكتل, اما دور البرلماني فهو رفع اليد او تعقيب المعاملات, ليستلم في نهاية الشهر راتب مغري, ومخصصات وقومسيونات ومغريات لاتعد ولاتحصى. وعندما يخرج الشعب ليقول كلمته ويطالب بالاصلاح او بالغاء مكاسب البرلمانين يجابه بشتائم والسباب ويوصف بالجهل من قبل ممثليه, ويتجاهل بكثير من الاحيان في مطالباته.
ويقف البرلمان اليوم امام ارادة الشعب بتغيير الكابينة الوزارية بل يستهتر بالراي العام الجمعي المطالب بالتغيير, وايقاف سرقة الاموال من قبل وزراء احزاب السلطة, الذين نهبوا موازنة الدولة لتمويل احزابهم وكتلهم ومؤسساتهم الاعلامية، فعندما وصل الخطر الى تجفيف منابع فساد كتلهم ووزارئهم وقف ممثلو الشعب صفاً واحدا, لاول مرة منذ عام 2005, اذ انهم لم يجتمعوا قط على القضايا التي تخص هموم ودماء المواطن, بينما نجد الاجماع يصل الى نسبة 90% في البرلمان ضد ارادة الشعب المطالبة بتشكيل حكومة من التكنوقراط, لا ترشح من قبل الكتل السياسية التي تهيمن على القرار السياسي لاكثر من عقد. لذا البرلمان دخل في حلبة الصراع ضد الشعب, عندما رفض الكابينة الوزارية ولوح بعدم التصويت عليها , لا لاجل الملاحظات التي سجلت على المرشحين, ولا لمخالفتها للدستور كما يعلنون في الظاهر, وانما الامر هو صراع وجود فان بقاء الاحزاب والكتل مرهون ببقاء هيمنتهم على الوزارات المورد الرئيس لديمومة احزابهم.