لا تبدو حادثة صحيفة “شارلي إيبدو” وما أعقبها من اقتحام متجر يهودي في باريس الا حوادث بارزة اظهرت المارد من القمقم في اوروبا، وسلطت الضوء أكثر من السابق على تنامي ظاهرة الاسلام المتطرف الحاضنة الطبيعية للعديد من الجماعات الارهابية، وليس جديدا أن الخلايا الارهابية النائمة في اوروبا التي تتبع الحركات الاسلامية المتطرفة تنتشر في معظم بلدان القارة، هذا ما يعترف به الاوربيون انفسهم لكن المجتمعات الاوروبية قد تبدو قلقة اكثر من السابق من تنامي تلك الظاهرة واتساع رقعتها وربما خروجها عن سيطرة الاجهزة الامنية التي عادة ما تؤكد انها تمسك بزمام المبادرة.
ضغوط الاعلام والحركات المناهضة للتطرف دفعت الأجهزة الامنية في أوروبا الى إجراء سلسلة من الاجراءات الأمنية وعمليات استباقية ألقت القبض من خلالها على خلايا ارهابية في بلدان، كما دفعت السلطات هناك الى التفكير جديا بتشريع قوانين خاصة بالمراكز الاسلامية في اوروبا تتناسب وتحديات الارهاب. بل اكثر من ذلك فان بلدانا اوروبية عديدة اتخذت خطوات اصلاحية في السجون بالنسبة للمعتقلين بتهم الارهاب واستعانت برجال دين مسلمين.
ففي بلجيكا وعلى خلفية سلسلة من الحوادث الارهابية التي ادت الى سقوط ضحايا، قامت السلطات هناك بنشر 300 عنصر من الجيش في الشوارع لتأمين وحماية عدد من المؤسسات الحيوية والمنشآت العمومية، وتقديم الدعم لعمل الشرطة في هذا الصدد على خلفية تهديدات من قبل بعض الخلايا. وهذه خطوة غير مسبوقة في بلجيكا منذ ربع قرن. كما شنت السلطات عمليات استباقية على بعض الخلايا الارهابية التي كانت تخطط لأعمال تخريبية في بلجيكا.
في فرنسا ايضا وعقب الاحداث الدموية التي حصلت الشهر الماضي قامت السلطات الفرنسية باعتقال عشرات الاشخاص بتهم ارهابية.
اما في فنلندا فقد اصدرت مؤخرا السلطات القضائية حكما على أربعة متهمين بتمويل الإرهاب والتحريض عليه. وقد حكم على المتهم الأول في القضية بسنة واربعة اشهر وقد حكم على الآخرين بخمسة أشهر. وكان المتهمون الأربعة قد أرسلوا أمواﻻ لدعم حركة الشباب في الصومال، علما أن هذه المحاكمة هي الأولى لقضايا اﻻرهاب في فنلندا!
على صعيد ذي صلة، كشف مؤخرا النائب في البرلمان الاوروبي عن حزب “الفنلنديون الاصلاء” اليميني المتطرف “يوسي هالا آهو” عن تلقيه رسالة تهديد بالقتل من (داعش). وجاء في الرسالة الموقعة من قبل المقاتل في ما يسمى بالدولة الاسلامية في العرا ق والشام أبو هريرة الفنلندي، مخاطبا يوسي هالا اهو وشخص اخر مناهض للإسلام المتطرف يدعى سيبو ليهتو “ستكونون انتم ومن يساندكم على راس القائمة التي نقتص منها حينما نصل الى فنلندا”.
وبحسب تقرير تابعته “العالم الجديد”، لتلفزيون YLE شبه الرسمي في فنلندا، فان تحريات الشرطة تؤكد بان المرسل شخص باكستاني كان يسكن في مدينة بوري الفنلندية وذهب الخريف الماضي الى القتال في سوريا وان اقاربه أكدوا استخدامه لهذا الاسم. وكان موقع “فنلندا 24” الاخباري نشر قبل ايام تحذيرا موجها للدولة الفنلندية بكامل مؤسساتها ان اشتركت في الحلف ضد (داعش).
إن القلق من تنامي الارهاب في اوروبا دفع الاوروبيين الى تشريع قوانين اكثر صرامة من السابق، ولا تنسجم مع سقف الحريات الكبيرة التي توفرها روح القوانين السائدة في اوروبا، لكن القلق من الارهاب يدفع بقوة باتجاه ذلك. ففي شهر كانون الاول من العام الماضي اعلن في المانيا عن اغلاق مسجد بتهمة اشاعة التطرف واشاعة الكراهية، وهي حادثة لم تحصل في المانيا من قبل، وهناك حديث عن قرارات جديدة تلزم المراكز الاسلامية باستخدام نسخة موحدة من القران الكريم باللغة الالمانية.
أما في النمسا فقد اغلقت مدرسة تموّل من قبل السعودية بتهمة تعليم الجهاد والتطرف، كما بدأت ايضا بمراجعة مشروع قانون يهدف الى تضييق الخناق على التطرف الاسلامي، حيث يحظر القانون على المدرسين الإسلاميين الأجانب العمل على أراضيها، كما يحظر التمويل الأجنبي للمنظمات المسلمة.
ويبدو أن للألمان مبرراتهم، فالتقارير الرسمية تؤكد التحاق حوالي 600 الماني في صفوف (داعش) بالعراق وسوريا، وقد عاد منهم حوالي 200 شخصا. وهكذا الحال ايضا بالنسبة الى النمسا، فتزايد الفكر الجهادي في اوروبا مدعاة لمراجعة الثغرات القانونية التي ينفّذ من خلالها المتطرفون اجنداتهم في الغرب.
ويصب في هذا الاطار ما أعلنه أمس الاثنين، رئيس الوزراء الفرنسي مانوئيل فالس، من أن حوالي 80 فرنسيا قتلوا نتيجة القتال في صفوف تنظيمات إرهابية في العراق وسوريا.
وقال فالس في تصريحات لإذاعة “أوروبا-1” أمس، إن “هناك ما يقرب من 1400 شخص تم تحديد هويتهم، سواء كانوا فرنسيين أو مقيمين في فرنسا، على علاقة بهذه الشبكات. وهناك نحو 750 شخصا يقيمون هناك أو أقاموا، و410 أشخاص لا يزالون في الموقع، و260 شخصا غادورا، و80 فرنسيا أو مقيما في فرنسا قُتلوا”.
وكان وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف قد أعلن في 22 كانون الثاني يناير، أن 73 فرنسيا تابعين لتنظيم “داعش” قتلوا في العراق وسوريا.
واقعيا فان معظم البلدان الغربية أصبحت ملاذا للعديد من الجاليات الاسلامية بطيفها العام بما في ذلك الشريحة المتطرفة التي تكفر الجميع وتنفرد هي بنهج الحق والحقيقة، السقف المرتفع من الحريات، هناك استثمار بشكل سلبي من قبل بعض الوافدين، كانت بالنسبة لهم فرصة مناسبة لنشر الكراهية والبغضاء بين بني البشر، كثير من المراكز الاسلامية تحولت الى منطلق لاثارة النعرات الطائفية والسياسية، وبعضهم انطلق من هناك ليؤسس أحزابا مهمتها فقط، اقامة الشريعة الاسلامية في المجتمعات الاوربية الضالة من وجهة نظره.