في العاشرة صباحاً من يوم التاسع من شهر كانون الثاني (يناير) عام 1649 أعدم الثوار ملك انكلترا شارلز الاول (1600- 1649). انتهت الحرب الاهلية التي تسببت بها سياسات الملك التي كان يسعى من خلالها للتفرد بالحكم والغاء دور البرلمان والصحافة اللتان خاض معهما صراعاً مريراً، وسعيه لزيادة مخصصات الاسرة المالكة المالية وأخيراً زواجه من الاميرة هنريت شقيقة لويس الثالث عشر ملك فرنسا والذي أعتبره احد نواب البرلمان الأنكليزي “طعنة للانكليزيات في الصميم” رغم أنه كان زواج مصلحة سياسية، ولكنه بالنهاية سمح بتدخل الملك الفرنسي بسياسات البلد.
منذ العام 1629 وحتى العام 1640 خاض الشعب ممثلاً ببرلمانه وصحافته والجيش المنحاز للبرلمان معارضة صاخبة انتهت بالاحتكام الى السيف ومقاتلة الملكيين لتصويب المسار وإقرار مفهوم محاسبة الملك والتي كانت اسرة ـ ستيورات ـ الأسكتلندية التي ينحدر منها الملك تعتبره امراً محرماً، حيث تعتبر ان صاحب العرش يستمد حقه وسلطانه من قدرة إلهية او من قداسة سماوية لاينبغي ان تعارض او تقاوم وان حق الملك من حق الله فهو يمثله على الارض وانه لاحق للامة او لافراد الشعب العاديين في محاسبته او مراجعته.
في العام 1558 اعتلت عرش انكلترا إليزابث الاولى أو اليصبات (1533ـ1603) ومعها بدأت مرحلة مزدهرة وبدأ عصراً ذهبياً، حيث ينقل لنا الدكتور محمود ابراهيم استاذ الصحافة المصري في كتابه (هم والصحافة ): “يقولون انها من العظيمات في التاريخ ويقولون بانها قادت انكلترا بشجاعة عشرة ملوك من الرجال ويقولون أيضاً بان عصرها يعتبرمن افضل عصور التاريخ الانلكيزي”.
ماذا ايضا؟ كلمات وقصائد، وكتب ومؤلفات وروايات، جميعها تكيل للباقتها وشجاعتها وحكمتها وحسن تصرفها، عبارات المديح وسطور الثناء تلك هي ابنة الملك هنري الثامن واخت الملك ادوارد السادس واخت الملكة ماري لكنها مع ذلك لم تكن حرة في أكثر ماتحتاج أليه أي امرأة في الكون وهو الزواج!
فالملكة العظيمة من القابها كان (الملكة العذراء) لانها ماتت ولم تتزوج وملخص القصة انه بعد عام من اعتلائها العرش تبين انها تعيش قصة حب مع صديق طفولتها ومربي الخيول في إسطبل البلاط روبرت دادلي وهو ما ووجه باستياء الشعب حيث نقل عنها قولها إن “زواجها من الرجل الذي تتمناه لم يلق ترحيب في إنجلترا، لا يوجد شخص إلا واستاء منه ومني!! وهو ما دعا النبلاء للتهديد بالثورة اذا ما اصرت على مرادها، وحتى بعد ان رفعته الى رتبة النبلاء لم يجد الانلكيز ان ذلك مناسبا خاصة ان مربي الخيول هذا كان متزوجا وفي مناسبة ثانية من جملة مناسبات رفض الانلكيز بقوة نيتها الزواج من امير شاب معتبرين ان تلك النزوة الملكية يجب ان تنتهي لان الامير كان فرنسياً وانتهت كما انتهت غيرها .
هكذا بقبضة صارمة يحكم الانكليز سلوك حكامهم وملوكهم ويصوبوه ، فلا يوجد هناك من هو أكبر من دائرة طموحاتهم واحلامهم وفق ما يعتقدون هم ووفق مايريدون هم، لست مأخوذاً بهم ايها السادة ربما بسبب ثقتهم الزائدة بأنفسهم والتي تعطي عادة انطباعاً بالتعالي، ولكن أنا أقرأ الاحداث من التاريخ والتاريخ يحدثنا بان هؤلاء من الشعوب التي تأخذهم بوصلتهم الى حيث مصلحتهم في حين تأخذنا بوصلتنا الى حيث طائفيتنا التي ادت الى نزوح وتهجير الملايين، طائفيتنا التي سنقضي من خلالها على بعضنا دون أمل في صحوة نراجع فيها أنفسنا، انفسنا التي انشغلت بالدعاء على اوروبا وتمني تمزيقها وانزال البلاء عليها وتمزيق بريطانيا وتشتتها وتمزيق امريكا وعودة حروب ولاياتها معتقدين ان أي اختلاف هو بداية أقتتال فهذه ثقافتنا في حين ذهب اخرون الى تسويق قرار الانكليز الخروج من الاتحاد الاوروبي على انه بداية النصر للامة، نعم ياسادة هذا ما انتهى اليه تفكير عدد غير قليل منا.
مايشغلني صراحة هو من سيصنع الادوية واللقاحات اذا استجاب الله لأدعيتنا؟ في أي جامعات سيتخرج شبابنا؟ من سيشتري نفطنا؟ من سيطور قطاعتنا في التنمية ومن سيصنع لنا سلاحاً نقتل به بعضنا والاهم الى اين سيلجأ المنهزمون والابرياء؟