صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

تحليل: الاسترتيجية الأميركية بين عقيدة (باول) و(أوباما)

تخوض الولايات المتحدة وحلفاؤها حرباً ضد تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية “داعش” من خلال قصف جوي واستشارة يقدمها مجموعة من خبراء قوات الجيش الأميركي للقوات الأمنية العراقية

تخوض الولايات المتحدة وحلفاؤها حرباً ضد تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية “داعش” من خلال قصف جوي واستشارة يقدمها مجموعة من خبراء قوات الجيش الأميركي للقوات الأمنية العراقية.

 

ويخشى الصقور في الولايات المتحدة من الوقوع في فخ فيتنام مجدداً، مشيرين الى ان مضاعفة عدد القوات غير القتالية لن يجدي نفعاً، وأن أميركا ستخسر الكثير نتيجة إطالة زمن الحرب، كما ان إدارة أوباما لا تمتلك رؤية استراتيجية واضحة لقتال داعش.

 

ما يثير حيرة الصقور، هو أن أوباما كسر – دون أن يعلن ذلك – (عقيدة باول) التي هيمنت على الرؤية العسكرية الأميركية لما يقرب الربع قرن.

 

في مقال كتبه كولن باول بعنوان “القوات الأميركية: تحديات في الطريق” في “فورين أفيرز” عام 1992-1993، طرح عدة أسئلة يتعين على واضعي السياسة الأميركية أن يطرحوها قبل شن الحرب.

 

هل هناك تهديد لمصلحة حيوية مرتبطة بالأمن الوطني؟ هل لدينا هدف واضح قابل للتحقيق؟ هل تم تحليل المخاطر والتكاليف بصراحة وبشكل تام؟ هل تم استنفاد كل الوسائل غير العسكرية؟ هل هناك استراتيجية معقولة للخروج من الحرب؟ هل تم وضع اعتبار لكل النتائج المترتبة على الحرب؟ هل هذا الإجراء يحظى بدعم الشعب الأميركي؟ هل لدى الولايات المتحدة دعم دولي كبير؟

 

تنص عقيدة باول على عدم ارسال القوات الاميركية للقتال، إلا اذا ضمنت تفوقا ساحقا في القوة العسكرية يمكّنها من القضاء على العدو.

 

كما تقضي عقيدة باول بعدم إشراك الجنود الأميركان في أية عمليات عسكرية ما لم تكن للولايات المتحدة مصلحة وطنية واضحة في ذلك. ويعتقد بأن باول اسس عقيدته متأثرا بتجربته في حرب فيتنام التي خلفت في النفسية الأميركية جروحا عميقة.

 

وجسدت أول حرب كبيرة في فترة ما بعد الحرب الباردة، وهي حرب الخليج عام 1991، منطق عقيدة باول. فقد اختصر الرئيس جورج بوش الأب هدف الحرب بإخراج القوات العراقية من الكويت، وليس الإطاحة بصدام حسين، ما جعله يحظى بدعم دولي واسع.

 

وتحت قيادة كولن باول لهيئة الأركان المشتركة، استخدمت الولايات المتحدة قوة هائلة لتحقيق ذلك الهدف. كما استخدمت عقيدة باول في الحرب على أفغانستان وغزو العراق 2003.

 

ويعتقد الصقور أن الحرب على داعش لا تمت لعقيدة باول بأي صلة، فرغم ان أوباما وإدارته قالوا بأن داعش تمثل تهديداً مباشراً للمواطنين الأميركيين والمصالح الأميركية، إلا أن الصقور لم يشهدوا أي تهديد لأميركا أو مصالحها من جهة (داعش).

 

ثم أن انعدام النية لإرسال أية قوات برية مقاتلة يعد خرقاً واضحاً لعقيدة باول، فقد سئل أوباما ما إذا كان سيرسل قوات أميركية للقتال في البر، وأجاب: إن اكتشفنا أن (داعش) قد حصل على سلاح نووي، سنرسل قواتنا لإخراجه من أيديهم، أما بعكس ذلك فلن نرسل أي قوات برية مقاتلة.

 

وكان الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة أركان الجيش المشتركة قد قال في جلسة استماع في الكونغرس ان “مبادئ عقيدة باول لا تتناسب والحرب التي تخوضها الولايات المتحدة ضد داعش، انا لا أرى ان من مصلحتنا خوض هذه الحرب بقوة عسكرية كبيرة”.

 

وحذر ديمبسي من “رد الفعل العكسي الذي قد ينتجه وجود قوات برية من قبل أبناء المناطق الغربية في العراق”، منوها الى انه خدم في الحروب الثلاثة الماضية في العراق.

 

وبيّن ديمبسي ان “الولايات المتحدة لا تريد القتال نيابة عن العراقيين، بل تريد من العراقيين أن يقاتلوا تحت إشرافها”، مؤكداً ان “العراقيين سيحاسبون من قبل أميركا على نتائج الحرب”.

 

وكان مسؤولون أميركيون قد أشاروا الى ان الولايات المتحدة أخّرت عن قصد وصول المعدات والأسلحة العسكرية الى العراق كي تتأكد من تشكيل حكومة تحضى بمقبولية عراقية واسعة وتعطي للسنة دورهم في قيادة البلد، وهذا ما تم على أساسه تشكيل حكومة العبادي.

 

وهذه هي الطريقة التي يأمل أوباما من خلالها عدم الإنجرار الى منزلق فيتنام جديد، فقد يبدو عليه الانفتاح في زيادة عدد القوات الأميركية في العراق، إذ ضاعف عدد القوات من 1600 الى حوالي 3100، الا انه أبدى تشددا بمسألة القتال البري الذي قد يصل عنده حد “التحريم”.

 

وأشارت إدارة أوباما الى ان “المساعدات الأميركية للعراق ستبقى مستمرة وقد تزيد، طالما ان الجيش العراقي يثبت وجوده على أرض المعركة”. وأضافت ان “الولايات المتحدة مستعدة لتدريب ومساعدة القبائل السنية التي تقاتل داعش”.

 

لكن السؤال الجوهري: ما هي مخاطر تجاهل عقيدة باول؟

 

أولا/ (مدة الحرب): إذ حذر أوباما من ان الحرب على داعش قد تستمر طويلاً، وقال ديمبسي ان “القتال قد يستغرق من ثلاثة الى أربعة أعوام، وهو نفس مقدار الوقت الذي استغرقته الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية”. ما يعني ان الرئيس الأميركي القادم سيحمل وزر سياسة أوباما التي تجاهلت عقيدة باول.

 

ثانيا/ (تكاليف الحرب): حيث ذكر تحليل لمركز أبحاث في واشنطن أن الجهود العسكرية الأميركية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” “داعش” كلفت حوالي مليار دولار حتى الآن، ومن المرجح أن تتراوح الكلفة بين (2.4) و (3.8) مليار دولار سنوياً إذا استمرت العمليات الجوية والبرية بالمعدل الحالي. لكن مركز التقييمات الاستراتيجية والمتعلقة بالميزانية، قال إن تصعيداً في الحملة يشمل المزيد من الضربات الجوية وزيادة كبيرة في القوات البرية يمكن أن يقفز بالتكلفة لما بين 13 و22 مليار دولار سنوياً.

 

ثالثا/ (استراتيجيات الحرب): اعترف ديمبسي قبل حوالي إسبوع ان “أشياء غير متوقعة قد تحدث، كما في كل الحروب، نعم لدينا إستراتيجية، ولكنها إستراتيجية غير ثابتة، إنها تسير للتغيير في الكثير من الأحيان”.

 

 

 

 

إقرأ أيضا