في اطار الحديث عن الصراع الكبير الذي دار بين نظام صدام حسين، وثوار الاهوار الوسطى والشرقية طيلة العقد التسعيني، لا يمكن للمتابع ان يتجاهل معارك “الشطّانية” التي استمرت قرابة نصف العام، وفي محور الحديث عن تلك المعارك يبرز اسم اشتهر كثيرا في ادواره القتالية والقيادية لتلك المعركة الطويلة، وهو عيسى حيدر الياسري المعروف بـ”سيد عيسى” اشهر القيادات الميدانية في المناطق التي حصلت فيها معارك الشطّانية الشهيرة.
وبالتزامن مع الذكرى السنوية لانتفاضة آذار 1991 وللحديث عن تلك الاحداث وما رافقها حاورت “العالم الجديد” السيد عيسى في مسكنه بالعمارة مركز محافظة ميسان.
بداية من هو سيد عيسى؟
عيسى حيدر الياسري من مواليد 1962 نشأت وترعرعت في الاهوار الوسطى، خدمت في الجيش العراقي قرابة التسع سنوات، سرحت قبيل حرب الخليج الثانية، انضممت للثوار في الانتفاضة الشعبانية “ثورة اذار 1991” وبعد فشل الانتفاضة التحقت بتشكيلات الحركة الجهادية في الاهوار.
ما الذي جعل منطقة الشطّانية موقع لمعارك طالت نصف عام؟
بعد فشل سلسلة من الهجومات العسكرية من اجل السيطرة على الاهوار اعدت خطة من قبل الجهات الامنية في النظام السابق من اجل تقطيع اوصال الاهوار من خلال مد شارع يقسم الاهوار الى اوصال الشارع يبدأ من قرية الشطّانية الواقعة غرب الاهوار الوسطى والملاصقة لمنطقة الجزيرة، ويمر عبر قرية الجدي ثم بالقرب من قرى العكر وابو شذر حتى ينتهي الشارع في المناطق المحاذية لناحية العزير، ومن ذلك الشارع يمد شوارع جانبية اخرى لمختلف المناطق التي يراد السيطرة عليها. بدأ تنفيذ هذه الفكرة في مطلع العام 1991. القوات التي تبنت ذلك المشروع هي فرقة النداء التابعة للحرس الجمهوري، نحن عرفنا ذلك وراهنا على افشال المشروع الذي استمر لأكثر من خمسة اشهر لكنه فشل في نهاية المطاف. واستبدل الشارع بدكّات عسكرية لغرض القصف المدفعي فقط، انتشرت في المناطق القريبة من الشطّانية ومنطقة المشيهد.
حدّثنا اكثر اين تموضع الجيش واين تموّضعتم انتم؟
فرقة النداء كانت متموضعة على المناطق اليابسة في معسكر بقرب الشارع الرابط بين ناحيتي السلام والاصلاح، كانت محاطة بالسواتر الترابية المحصنة، صباح كل يوم تقوم الفرقة بإرسال جهد هندسي مع قوات كبيرة جدا الى قرية الشطانية في محاذاة الاهوار من اجل مد الشارع، نحن نعرف ان المواجهة على اليابسة ضد قوة مجهزة بدرع مدعوم بغطاء جوي لا تصب في صالحنا وقد نقدم الكثير من الضحايا، تفاديا لذلك اقمنا سلسلة من المواضع في محاذاة الاهوار قبالة موقع عمل الجهد الهندسي الذي يعمل نهارا وينسحب ليلا. وكلما جاءت قوة عسكرية مع جهد هندسي ضربناهم. كانت مواضعنا بين قرية الجدي وبين قرية الشطّانية والمسافة بينهما اقل من ثلاثة كيلو مترات.
كيف يمكن انشاء المواضع على الماء؟!
الموضع في الاهوار هو عبارة عن مسقّف من القصب “جباشة” فوق مستوى الماء او بموازاته، نقوم بغرس القصب في قاع الهور ثم نكسره باتجاهات معينة ليكون هناك سقف، نرصفه بالقصب والبردي ونجلب اكياس التراب من اماكن اخرى من اجل تسويره بشكل محكم. ونقوم بتغطيته بسقف من الحشائش والبردي كي يختفي تماما عن انظار الطلعات الجوية. اعددنا مجموعة من المواضع هناك وقسم آخر معد سابقا من اجل التصدي للقوات التي تهاجمنا بين الحين والاخر، خصوصا الهجوم الذي شنته الفرقة الاولى على قرية الجدي والقرى المجاورة نهاية العام 1991. وهناك موضع خاص جدا احدث تحول نوعي في مسار المعركة انشأناه في موازاة الشارع حول جرافة “Bulldozer”.
ما هي قصة هذا الموضع الاستثنائي؟
في بدايات المعركة وجّهنا ضربة للجهد الهندسي المكلّف بإنشاء الشارع والقوات المرافقة له، وقعت احدى الاصابات بآلة ثقيلة جرّافة، لكن الجرّافة بقيت تسير في مسار مباشر حتى وصلت المياه واستمرت بالحركة فوجهت لها صاروخ قاذفة آر بي جي فتوقفت على بعد مسافة مناسبة جدا في مواجهة الشارع حوالي خمسمائة متر. ولان الآلات الثقيلة فيها صفائح حديدية قوية فكرنا في تحويلها الى موضع حصين خصوصا وانها اصبحت في موقع استراتيجي يكشف المنطقة بكاملها امامنا. مع حلول الظلام وبخبرة ابناء الاهوار وشجاعتهم عمدنا الى بناء “جباشة حول الجرافة” بنفس الطريقة السابقة ووجهت بجلب زورقين من الاكياس المملوءة بالتراب بغية مزيد من الرصانة والاحكام. وهكذا ساهم هذا الموضع بشكل كبير في حسم المعركة.
كيف كنتم تصلون الى الموضع وهو في مياه مكشوفة؟
في عمق الاهوار كنا نتحرك بزوارق فيها محركات “شختورة” لكن وحينما نصل الى مسافة قريبة من الشطّانية والمنطقة التي تحصل فيها المعركة، نضطر للتحرك بالزوارق والمشاحيف من خلال التجديف فقط، وحينما نقترب نضطر اكمال الطريق سباحة، ونوصل الاسلحة الى الموضع بطريقة شاقة خصوصا وان المعارك كانت في فصل الشتاء. في بعض الاحيان نتحرك ليلا وفقا للظروف المناسبة.
كم كانت ضحاياكم في تلك المعارك؟
اعطينا بتلك المعارك من اجل افشال هذا المخطط سبعة شهداء و16 جريح، ومن جملة من استشهد في تلك المعارك الشهيد ابو نصيف “جاسم طليب الفرطوسي”.
كيف استشهد؟
كنا نقوم بعمليات قصف شبه يوميه بسلاح “الهاون” على الجهد الهندسي والقوات المرافقة له من الحرس الجهوري، في احدى المرات كان من يقوم بالتنفيذ ابو نصيف برفقة احد المجاهدين، واثناء القصف حصل خلل ما فلم تنطلق القذيفة، اراد ابو نصيف معالجتها فانفجرت وادّت الى استشهاده وجرح الشخص الاخر الذي كان برفقته.
كيف تستفيدون من جغرافية المنطقة وطبيعتها لصدّ الحملات العسكرية؟
كنا نستفيد من خبرتنا بطبيعة تلك المنطقة ونستثمرها من خلال التركيز على نقاط الضعف عند القوات المهاجمة علينا. ان بيئة الاهوار توفّر غطاء جيد يقي من الضربات الجوية، ويساعد على التخفي والمناورة، اضافة الى ذلك ان القذيفة حينما تسقط في الاهوار تختلف كثيرا اضرارها بالقياس الى سقوطها على اليابسة. كنا نقوم بتسقيف الماء بالبردي والقصب بعرض المنافذ والطرق المائية المؤدية الى عمق الاهوار وبمساحة اربع الى خمسة امتار بحيث تشكّل ما يشبه الاسلاك الشائكة والعوائق الطبيعية امام تقدم الزوارق واعاقة حركتها. كنا نوظف الطبيعة والجغرافيا والمناخ وكل شيء من اجل الوصول للنصر وفي اغلب الاحيان نتفوق.
لماذا كنتم تحاربون الجيش ما هو الدافع؟
بعدما انتفض الشعب العراقي عام 1991 بطش الجيش والقوات الامنية بالمدنيين، وتحوّل الصراع مع النظام السابق في تلك المرحلة الى صراع الدفاع عن النفس، الجميع مستهدف.
الدولة تجاهلتكم لفترة طويلة ومع ذلك ذهبتم للقتال ضد داعش لماذا؟
لقد تعرضنا لإجحاف كبير من قبل الدولة، ولكن هذا لم يمنعنا من أداء الواجب الوطني، حينما يتطلب الموقف تضحية فان مجاهدي الاهوار هم اسياد الموقف. رغم اننا نعرف ان الحكومات لا تعرفنا الا حينما تحين الحاجة لرجال أشداء يخوضون المعارك ضد أعداء الوطن.