بدأت المسافة تتسع بين القيادة المركزية لداعش ومن يشاركون في قيادة الولايات المتعددة في العراق وسورية. لقد أصاب الاضطراب الكبير القيادة المحيطة بالبغدادي في مجلس الإمارة ومجلس الشورى، وبدأ البغدادي يهتم بمن حوله من الأصدقاء وأخذ يقلل، إلى حد كبير، من تقديم الزعامة العقائدية والمنهجية.
وهناك شعور ملموس بعدم ارتياح البغدادي من تلك القيادات التي ربما تتآمر مع القاعدة وجبهة النصرة بالانقلاب عليه، ولذلك عمل على إبعادهم عن قادة الميدان، فقد استدعى المدعو باسم نايف خليفة المشهور بـ”وسام عبد زيد أبو نبيل” من ليبيا إلى قيادة ولاية الأنبار، وهو صديق مقرب للبغدادي، وأعطى ولاية كركوك، وشمال صلاح الدين، للمدعو سلمان عبد شبيب، وأعطى رئاسة المجلس العسكري، كبديل لأبي مسلم التركماني، لإياد عبد الرحمن العبيدي أبو صالح الشهير بـ”فاضل حيفا”.
التقارير من داخل تنظيم داعش تؤكد وجود توتر متزايد بين القادة العراقيين والقادة الأجانب. البغدادي لا تحكم اختياراته للقادة ضوابط أو صفات، وإنما تحكمها ثقته بالشخص المعين. هذه الانتقائية أصبحت مصدرا دائما للتوتر، فهي تختلف عن الطرق التي كان يتم فيها اختيار المعين للقيادة الجديدة والمهمة.
البغدادي لا يثق كثيرا باللجنة المالية، ولذلك يمنعها من نقل الأموال بشكل واضح وبمبالغ كبيرة.
وهناك مجموعة من الأمنية تتصل بالبغدادي أو بأحد مساعديه، واجبها مراقبة اللجنة المالية، وتتابع طرق نقل الأموال عبر شركات التحويل، وباسم من يتم التحويل، وكمية المال المسموح به. وهذه الخلية ترفع تقريرها الدوري للبغدادي بكل مصاريف وحسابات وتشغيل الأموال التي تقوم به اللجنة المالية، ومن أصاب ومن أخطأ، ويتم تحويل أي مختلس أو مبذر في الأموال إلى اللجنة الأمنية للتحقيق معه وأخذ الإجراءات القضائية.
داعش تواجه مشكلتين رئيستين في ولايتي الرقة ونينوى؛ أمن القيادات والكفاءة المالية. وهنا تأتي مشاكل الثقة والسيطرة وعدم الكفاءة في تخصيص المال، وفي معظم الأحيان تلجأ داعش إلى التخفيف من هذه المشكلة بالسيطرة التكتيكية على مناطق فيها غنائم عسكرية أو ثروات مالية لتقليل التفاوت.
الملاحظات والتقارير من داخل الحويجة والشرقاط والقيارة والقائم، ينبغي أن تكون محل دراسة مفصلة وعناية من قبل القيادة المشتركة العراقية، ومن كل عازم على مكافحة داعش.
فهذه المناطق متشابهة، والعدو واحد، والمعركة واحدة، وستتشابه ظروف الحرب عموما، وقد تكون مشابهة أو لا تكون، في تحرير نينوى ومعارك الحدود، ولكن لن تكون هذه البؤر الصعبة شبيهة بكوباني، ولا حتى بيجي، إذا اعتمدت تقارير الداخل وأخذت بوعي واستخدمت بعقلية عسكرية مهنية.
تستخدم داعش، عادة، أساليب اتصال بدائية وغير آمنة. تتضمن هذه الأساليب الرسائل المشفرة التي يتم إرسالها بواسطة ساعي البريد، والمقابلات المعتادة وجها لوجه، وخطوط الهاتف غير الآمنة عند الضرورة وغالبا هي لشبكات غير محلية مفعل بها اتصال “الرومنك” التجوال.
لم يكن لدى داعش القدرة على الاتصال في بيجي، وحتى المراحل المتأخرة من معارك بيجي ليس لداعش علم بحجم خسارتها وصدمتها هناك، وحتى على المستوى التكتيكي. مع انعدام وسائل الاتصال الآمنة، والتي يمكن الاعتماد عليها، تطلبت المحافظة على المستوى الأدنى من أساليب البريد البدائي، ولكن هذا يحتاج إلى قدر كبير من السيطرة التكتيكية على الطرق والقرى التي يتحرك بها ساعي البريد، والذي هو في الغالب رجل كبير بالسن أو نساء بحسب اعترافات أم سياف “نسرين أسعد إبراهيم”.
وتبين التقارير من داخل الشرقاط أيضا عدم وجود نظام لتقسيم المعلومات والقرارات القضائية والعسكرية وحتى ما يتعلق بالحسبة. ويتم إعلان ٔن المعلومات حسب الحاجة إلى معرفتها!
ربما بات البغدادي ذاهبا الى أن العراق ليس جاهزا “للجهاد الكلاسيكي”، وأن داعش لن تكون قادرة على إيجاد حليف من العشائر السنية في الأنبار، وذي قوة عقائدية سلفية مماثلة. ولذلك يسعى مع مساعديه الجدد، الذين هم من أصول أمنية ومخابراتية بعثية، إلى تحقيق الحرب الطائفية بين السنة والشيعة، حتى إذا فقدت حكومة بغداد قدرتها على إدارة التوازن بطريقة شبه ديمقراطية سوف تفقد مقاليد السلطة، وتتحيز العشائر الى طائفتها بدل قيمها وثوابتها التي لا تنسجم مع عقيدة ومنهج داعش.
ولا يزال البغدادي وقادة داعش يعانون من خطر عزل أنفسهم عن سنة العراق وسورية، وصارت جماهير سنة العراق وسورية مدبرة غير مقبلة تجاه داعش، وبالتالي لن تكون لداعش فرصة في النجاح وسوف تكرر قصة عشيرة الجبور معهم في كل مكان من العراق إذا توفرت لهم الفرصة.