غلق الفضائية الجزائرية “الوطن”، يدعو المتتبع للتطرق إلى أن يتطرق لثقافة الغلق السائدة في المجتمعات العربية الإسلامية، وثقافة عدم الغلق التي يسعى المرء لنشرها وتثبيتها.
وما يجب التركيز عليه بداية، أني لا أعرف الفضائية الجزائرية المذكورة، ولم أتابعها يومها، ولم أستشهد بها مرة واحدة، لكن وانطلاقا من مبدأ إحترام الرأي والرأي الآخر، ولو كان مخالفا للمنهج والوسيلة. فالوقوف ضد مبدأ الغلق هو السائد والمحترم، واستنكار الغلق هو الذي يجب أن يعلن ويصرح به.
العاقل يقف مع مجتمعه حين يتعرض لعدو أو خائن، وحين تتعرض فضائياته خارج الوطن للغلق والتشميع، لكنه لايمكنه أن يساند مجتمعه، وهو يغلق فضائية تبث في دارها وبين أبنائها وبسواعد زهرة شبابها، ولو خالفنا إتجاه الفضائية وعارضناها فيما ذهبت إليه.
الفضائيات أمست بعدد الأحياء السكنية ولم تعد ذلك الحلم الصعب المنال، فيكفي القليل من المال ومساحة صغيرة جدا، لبث فضائية تخاطب الكون من مكتب صغير، وهذا جهد يثاب عليه صاحبه وكل من ساهم في بناءه ونشره. لكن في المقابل تبقى عملية غلق الفضائية وصمة عار في جبين المجتمع، لأن العالم يسعى للتعدد والاختلاف وليس للغلق.
تعرف المجتمعات الأحادية التفكير بغلق الفضائيات المخالفة لسير أحذيتها، وتعرف المجتمعات المتحضرة بعدم غلق الفضائيات إلا عبر القضاء النزيه. والمجتمعات العربية تصر على أن تبقى متشبثة بالتخلف ،بمنع كل فضائية ترى فيها تهديدا لكرسيها التليد.
من المبادئ التي يجب التركيز عليها في هذا المقام، أن إختلاف الرأي يستدعي إحترام الآخر، لكنه لايستدعي أبدا غلق فضائية تخالف ما اعتاد عليه المرء من ثقافة وسياسة وفهم للدين، وتصور للأحلام.
إنه لمن تمام المروءة، أن يظل المخالف للرأي وفيا لثقافته المتمثلة في عدم غلق الفضائية المخالفة لما ذهب إليه، بل يزيد عليها أن يقف لجواره حين يتعرض مخالفه لغلق فضائيته، ويدعمه بما يستطيع ويؤمن به، ويسعى بما أوتي لاسترجاع فضائيته وصحيفته المغلقة.
هناك فضائيات عربية وإسلامية أساءت كثيرا للمشاهد والمجتمعات، بما تبثه من مجون ولهو مستمر وعبث بقيم الأمة، ونشر الحماقة والبلادة، وإشعال نار الفتنة بين الأخوة والجيران، وشتم المجتمع الجزائري وسب شهداء الجزائر، وإشادة بالمحتل الغاصب. ومثل هذه الفضائيات تحتاج لمن يقف في وجهها بالكلمة النيرة والحبر الصافي والتنبيه لسوء عاقبة فعلها، وخطورتها على أركان المجتمع وأبناءه.
النقد المستر الذي يمارسه المرء تجاه الفضائيات الجزائرية والعربية والاسلامية، لا يعني أبدا أنه يطالب بغلقها وتوقيفها، بل يسعى عبر النقد المستمر، لتحسين مستواها والرفع منه، والابتعاد عن ما يسىء للأمة وثوابتها، وأن تكون وسيلة للرقي والتحضر.
مصيبة الأمة العربية والإسلامية، أن غلق الفضائيات والجرائد أمسى قاعدة تتبع، ووسيلة تمارس باستمرار من طرف الجميع. وتغلق باسم الدين، وتغلق باسم السياسة، وتغلق باسم أمن البلد، وتغلق باسم الخارج، ومن طرف العمامة، والتاج، والحذاء، والمثقف، والغني، والكبير والصغير.