شاهد على احتلال المملكة السويدية وروسيا القيصرية لفنلندا، وصرح علمي كبير يعد بين افضل مائة جامعة في العالم، انها جامعة هلسنكي التي تأسست عام 1640 في مدينة توركو العاصمة السابقة لفنلندا حينما كانت تحت الاحتلال السويدي، كان اسمها الرسمي آنذاك “اكاديمية توركو الملكية”، لكنها منذ العام 1829 اي بعد الحريق الكبير الذي لحق بمدينة توركو في فترة الاحتلال الروسي لفنلندا انتقلت الى مدينة هلسنكي. انتقال الجامعة من العاصمة القديمة الى العاصمة الجديدة رافقه ايضا تغير في اسم الجامعة حيث سميت “جامعة الامبراطور الكسندر”. ثم بعد استقلال فنلندا عن روسيا عام 1917 تغير اسم الجامعة الى “جامعة هلسنكي”.
تضم الجامعة أحد عشر كلية موزعة على اربعة مواقع كبيرة في هلسنكي، فيها اقسام كثيرة ومراكز دراسات نشطة، ومن الاقسام المهمة في الجامعة هو قسم الدراسات الشرقية والميزوبوتامبيا، فيه تدرس اللغة العربية بمستويات مختلفة. ارشيف الجامعة يؤكد ان اللغة العربية درت في الجامعة إبتداءا من العام 1709 وهي المرة الاولى التي تدرس فيها اللغة العربية في فنلندا. وقد تكفل بأداء تلك المهمة سلسلة من الاساتذة المعروفين، اشهرهم الرحالة الفنلندي “جورج اوغست والّين” الذي قام بجولات عديدة حول الشرق الاوسط وزار العراق في القرن التاسع عشر، لقد اعطى والّين اهمية كبيرة للغة العربية في جامعة هلسنكي ابتداءا من العام 1851.
في مطلع السبعينات من القرن الماضي استحدثت في الجامعة وظيفة “محاضر في اللغة العربية”. لكن منذ الثمانينات وبدعم من السفارة العراقية في هلسنكي اسس مقعد دراسي مختص باللغة العربية واستمر حتى العام 1998 حيث تحوّل لاحقا ذلك المقعد الى اللغة العربية والدراسات الاسلامية في نفس الوقت.
ايضا من الشخصيات المهمة التي عملت في قسم الدراسات الشرقية بجامعة هلسنكي هو الآثاري الفنلندي “آپلي ساري سالو” الذي اشترك ضمن بعثات تنقيبية دولية في مختلف انحاء العراق بالنصف الاول للقرن العشرين.
من الامور المثيرة للجدل حول مقعد اللغة العربية هي المواجهة الاعلامية التي حصلت بين صالح مهدي عماش السفير العراقي آنذاك وبين عراقي آخر هو “شموئيل سامي دريه”، حيث كان هذا الاخير قد استضيف كأستاذ محاضر في جامعة هلسنكي في مجال الادب العربي واللغة العربية لفترة من الزمن وكان قادما من اسرائيل. صالح مهدي عماش اراد ان يتصرف في فنلندا بطريقة المتحكم والنافذ، استطاع ذلك في بعض المؤسسات ولكنه اخفق في مؤسسات اخرى، اراد عماش استخدام نفوذ السفارة العراقية من خلال تمويل مقعد اللغة العربية في جامعة هلسنكي وبالتالي طرد شموئيل دريه من الجامعة، فرفضت الجامعة طلب عماش وبقي السجال بينهما في مقتصرا على وسائل الاعلام.
بالتعاون مع تلك الجامعة ايضا اقيمت ثلاث مؤتمرات بين العراق وفنلندا حول الادب العربي الفنلندي، المؤتمر الاول اقيم في خريف العام 1977 في جامعة هلسنكي، اما المؤتمر الثاني فقد عقد في بغداد من 11-13/12/1979. المؤتمر الثالث عقد في هلسنكي على قاعة “فنلانديا تالو” الشهيرة بتاريخ 2/9/1981، وكان من بين الحاضرين الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، سامي مهدي، عبد الجبار البصري، الوفد الذي حضر الى هلسنكي ايضا كان يضم فوزي رشيد عالم الاثار المعروف. بعض تلك المؤتمرات وثقت ايضا في اصدارات مطبوعة باللغتين العربية والفنلندية.
بالتعاون مع الجامعة ايضا اقيم في هلسنكي “معرض الفنون الشعبية العراقية” الذي استمر لمدة ثمانية ايام والذي افتتح في العاشر من نيسان عام 1976. وكان بين اعضاء الوفد العراقي حينها الفنان التشكيلي فائق حسن. المعرض تنقّل بين جامعة هلسنكي، مبنى سوق ستوكمان المعروف ومدينتي توركو وتامبيرا. لجامعة هلسنكي ايضا اتفاقية تعاون مشترك مع جامعة الموصل موقعة منذ العام 1979.
احد اهم مرافق الجامعة هو المكتبة وهي اكبر مكتبة في فنلندا اولا لسعتها وتنوع ما فيها من مصادر قديمة وحديثة، وثانيا لان القانون الفنلندي يلزم جميع المطبوعات في البلاد ان ترسل خمس نسخ منها من اجل ارشفتها في مكتبة الجامعة، كذلك الحال بالنسبة للمرئي والمسموع، ومن هنا فالمكتبة معنية بأرشفة وحفظ التراث الفنلندي والعالمي. تقع المكتبة في “ساحة الشيوخ” وسط هلسنكي ولها بناية مستقلة تاريخية بنيت عام 1844، ما يبدو للعيان من بناية المكتبة شيء وما يغوص في اعماق الارض شيء اخر، اذ يوجد اسفل بناية المكتبة مخزن لحفظ الكتب منحوت من الصخور الصلبة ويمتد لثمانية عشر مترا عمقا على مساحة تصل لأكثر من سبعة وخمسين الف وستمائة متر مكعب.