منذ ان اعلن مقتدى الصدر في 13 شباط الماضي عن اقتراحه تشكيل لجنة مستقلة بهدف اختيار كابينة وزارية من التكنوقراط وحتى الان يلوّح زعيم التيار الصدري بين الحين والاخر بتنفيذ خيارات غير مسبوقة. ففضلا عن المظاهرة التي دعا لها في ساحة التحرير والتي خرجت في 26 شباط الماضي فانه نظّم مظاهرة اخرى على اسوار المنطقة الخضراء خرجت بالتنسيق مع شباب الحراك المدني المرابطين في التحرير اسبوعيا منذ فترة طويلة. تلك المظاهرة نظّمت دون الحصول على موافقات رسمية من قبل الجهات المعنيّة وفقا لما اعلنته قيادة عمليات بغداد في بيان صدر عنها واطلعت عليه العالم الجديد.
الصدر لم يكتف بذلك بل كان يرفع سقف التهديد كلما فشلت حوارات الكواليس خصوصا بينه وبين رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي.
أما آخر تلك الخطوات التصعيدية من قبل التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر فهي دعوته في بيان صدر عنه مؤخرا الى اعتصام ينفذ عند ابواب المنطقة الخضراء ابتداءا من يوم الجمعة المقبل 18 آذار الجاري، وجاء في بيان مقتدى الصدر “أدعو إلى البدء باعتصام أمام بوابات الخضراء حتى انتهاء المدة المقررة أعني الـ45 يوما”.
فهل ما يقوم به الشباب المدنيون، بالتنسيق مع التيار الصدري هو استثمار سياسي ضمن ضوابط اللعبة؟ ام هو مغامرة غير محسوبة قد تفتح الباب امام خيارات مفتوحة؟ هل التيار الصدري يؤدي دور المعارضة ام الحكومة ام ماذا؟
علي طاهر استاذ علم الاجتماع السياسي جامعة بغداد وفي حديث خاص بالعالم الجديد إجابة عن تلك التساؤلات يقول: “ان الدعوة للاعتصام لا تعدو اكثر من اداة سياسية يهدف من خلالها التيار الصدري فرض التغيير، دون ان تكون لديه خيارات او بدائل او حتى اهداف واضحة” مضيفا “اظن ان العمل المدني والتقاليد التي انتجها الشباب من ذوي الطبقة الوسطى المتعلمة، لم تصل بعد الى مستوى النضج لاختيار قيادة وهيكل تنظيمي فضلا عن الوصول بالأمر الى مرحلة اطاحة بالحكومة او احداث تغيير اصلاحي حقيقي، في الوقت الراهن على الاقل.. ” علي طاهر ابدى تخوفه مما يجري مذكّرا بما حصل عام 2014 ” انا متخوف من الاعتصام. ولست متفائلا بخطوات العبادي الاصلاحية، فحينما اشهد التحضيرات للاعتصام استحضر مخاوفي منذ احداث الحويجة عام 2014 مع عدم تعقل الطرفين وعدم تمكنهما من ايجاد لغة تفاهم مشتركة” فبـ “بسهولة يمكن ان تنجر الاعتصامات في العراق مع قليل من الاستفزاز (حتى وان كان من طرف ثالث ليس في المعادلة) وتتحوّل الى مجزرة دموية. فلا ننسى الدعوة جاءت بهدف شل الحياة في اهم مناطق بغداد”
الاستاذ والمحلل السياسي امير جبار فقد تحدث للعالم الجديد عمّا يحصل قائلا: “بعد الانتفاضة الصدرية التي أرادت سد فراغ تنحي المرجعية الدينية في النجف الاشرف عن تقديم النصح والارشاد بالقضايا السياسية وضعف الدعم الذي طالب به السيد العبادي من القواعد الشعبية اطلق السيد الصدر صولة اصلاح لا يمكن ان تكون بعيدة عن الاستثمار سياسيا” لكن امير جبار يستدرك “لكن درجة هذا الاستثمار تتفاوت بين الكتل والاحزاب وهذا ما اظهرته نتائج اجتماع كربلاء” مضيفا بان ما يحصل هو “سباق بحراك أكثر نضوجا ويرسل اشارات بانه قد تجنّب اخطاء الاحزاب الاخرى وهذا ما تلمسناه في الشعارات التي اطلقه السيد الصدر في خطابه في تظاهرة ساحة التحرير” وفي محصلة الكلام فاذا اردنا “تجاوز مرحلة الصراع المباشر فعلى الدكتور العبادي ومستشاريه ان يمازجوا بين مبادرته وباقي المبادرات على الاقل فيما يخص التشاور ان لم يتم الاخذ بباقي آلياتها”.
الجدل المثار حاليا في الشارع العراقي وبين النخبة العراقية نفسها لازال غير محسوما وخصوصا ان التيار الصدري حتى هذه اللحظة لم يخرج رسميا من الحكومة حيث يمتلك جملة من الوزارات والمناصب التنفيذية المهمة، اضافة الى كتلة برلمانية بعدد لا بأس به.