إن الانتصار العراقي لم يكتمل بعد، ولكنَّ الدفاع عنه يجب أن يبدأ من الآن.
معلوم ان الانتصارات العراقية الكبيرة المتحققة حتى الآن، وآخرها تطهير الفلوجة، ليست هي النصر النهائي والكبير والحاسم، فما زال أمام العراقيين معركة الموصل ومعركة إنهاء حكم المحاصصة الطائفية الرجعي. ولهذا يجب الدفاع عن هذه الانتصارات المتحققة والاستعداد بجد للانتصار الكبير القادم وهذا يقتضي عمليا الوقوف ضد كل المحاولات الأميركية والإيرانية التي تحاول سرقة الانتصار أو تجييره كليا أو جزئيا لمصلحتها.
إن دور إيران في دعم العراق بالسلاح والعتاد والوقود لا ينكر وهي مساعدات مشكورة مع أن هادي العامري قال بلسانه أن الحكومة العراقية تدفعها نقدا، ولكن محاولات إيران لسرقة الانتصارات أو تجييرها لمصلحتها لا تنكر أيضا فهي تحاول الزج بالجنرال سليماني وصوره الاستعراضية بمناسبة وبدونها في الموضوع في اجواء حساسة ومضطربة داخليا وإقليميا.
وقد أثارت كلمة قائد المقاومة الإسلامية اللبنانية حسن نصر الله وتكراره طرح دور مقاتلين من حزبه علنا وللمرة الثانية في خطاب تلفزيوني ردود أفعال بعضها قوي وحاد ومتشنج من قبل بعض الأصدقاء (مقالة الصديق عبد الأمير الركابي مثلا)، ولكن أصدقاء آخرين دافعوا عنها – عن كلمة نصر الله – أو قللوا من تأثيرها، واسمحوا لي بأن أطرح رأيي في تلك المقالة باختصار والذي عبرت عنه في مجموعة مغلقة على الفيسبوك قبل قليل (أعتقد ان ما قاله الأخ الركابي فيما يخص خلفيات و مضمون تكرار السيد لقضية مشاركة مقاتلين من حزبه في المعارك وفي أجواء تحاول إيران وجماعتها تجيير الانتصارات العراقية لمصلحتها صحيح جدا، فلا التوقيت يسمح بذلك والمعارك لم تنتهِ ولا الجو العام السياسي يسمح بذلك ولكن كلامه حول الشعب اللبناني والعراقويات الأخرى التي فسرها أحد الأصدقاء كنوع من الشوفينية فانا ضدها تماما وبالمطلق.. أنا وبعض الأصدقاء أيدنا الركابي في بعض ما قال، وهو تكرار السيد نصر الله لطرح موضوع مشاركة بعض العناصر من حزبه في المعارك في العراق وهذه ليست المرة لأولى التي يطرح فيها هذا الموضوع في حين أن العرقيين في الجيش والحشد والعشائر الأنبارية يقاتلون ويبلون بلاء حسنا.. لماذا كرر السيد نصر الله طرحها خصوصا وأن ايران وجماعتها العراقيين يحاولون اثبات أنهم هم وإيران من صنعوا النصر على داعش؟ فأولا هذا الزعم ليس صحيحا، وليس مفيدا و فيه إهانة ضمنية للجيش والحشد والعشائر العراقية.. ربما لا يكون قصد سيد حسن سيئا، ولكن توقيت ما قاله اليوم ليس صحيحا وهو مضر جدا وهو ربما ينطوي على اهانة للمقاتلين العراقيين في الجبهة).
خلاصة قولي هو أن الاختلاف والحدة أحيانا في هذه القضية لا مندوحة عنهما ومنهما وهما يدلان على حيوية ما تبقى من الفكر العراقي الوطني الذي يقاتل اليوم على عدة جبهات وهو دليل على أن الفكر الطائفي والمواقف التابعة والمشبوهة ليست سيدة الساحة فنحن نختلف ونحتد ونتشنج أحيانا ولكن حول قضية مصيرية تستأهل كل ذلك وهي قضية صيانة الانتصارات العراقية، و العراقية تكرارا، المتحققة، و الاستعداد لتحصين الانتصار القادم في الموصل لأن فيه بقاء العراق وديمومته ونهاية المتربصين به سواء كانوا من رجال حكم المحاصصة الطائفية أو أجانب مغرضين ولهم أجنداتهم. الصفراء.
لقد قلت ما أعتقد به، في الأسطر السابقة، وركزت في مداخلتي على التوقيت والجو الإقليمي والداخلي العراقي وليس على الجزئيات وأعود لأكرر أنني أرفض أي محاولة لسرقة النصر العراقي أو تجييره لمصلحة إيران أو حلفائها واعتبر ذلك طعنة لمحاولات معالجة التمزق العراقي الراهن وتسعير للاستقطاب الطائفي. ولكن النقاش أو الحوار حول الموضوع تحول – للأسف – إلى مهاترات و شتائم وتشكيك أمني! وهذا يعني أن أمام البعض طريقا طويلا ليتعلم كيف يختلف بهدوء ونبل الشديد مع من يتفقون معه في الكثير من المشتركات.. لا أفهم كيف يشتم أحدهم شخصا طرح رأيا حتى لو كان خاطئا ومختلفا عليه ثم ينسحب من النقاش ويقيم حفلة تشنيعات على صفحته الشخصية ضد الاخر بعد أن انسحب من صفحة من اختلف معه.
إن تقديم الشكر واجب لمن ساعد، ولكن الوضع العراقي حساس جدا والمعركة مستمرة ولا مجال للتساهل مع أخطاء تسعر الاستقطاب الطائفي وأعتقد أن نصر الله أكثر فطنة ممن صفق له دون تحفظات.. في الحقيقة، لا أدري ماذا سيقول هؤلاء لو اعتذر نصر الله أو اعترف بخطأ ما قاله عن مشاركة عناصر من حزبه في القتال في العراق.. هل سيعتذرون بدورهم؟ لا أظن لأنهم ربما يعتقدون بأنهم يعيشون وحدهم، هم طائفتهم فقط في العراق.
ثم أن كون خطاب السيد موجه إلى الداخل اللبناني – وهذا ما لمح له كاتب المقالة موضوع الخلاف بقوله “نعرف أن عليك ضغوطا.. الخ” – فهذا مما يزيد الأمور سوءا ويجعل الكلام عن مشاركة الحزب في القتال، وهي مشاركة رمزية جدا وبعدد محدود جدا من العناصر اللوجستيين والمتخصصين في التخطيط والادارة، وليس في القتال المباشر بلسان نصر الله نفسه، أكثر سلبية وسوءا على العراق والوضع العراقي، لماذا؟ لاننا سنجد من يقول من المغرضين وغير المغرضين أن هناك من يحاول أن يتاجر أو يستغل مساعداته للعراقيين لاهداف سياسية ودعائية داخلية في بلده و هذا مضر حتى لو صدقت النوايا وكانت غير طائفية، وهي تعطي لدول وأطراف اقليمية كالسعودية وتركيا حجة وسندا عمليا لتتدخل هي ايضا أو لتوسع من تدخلها القائم فعلا.. أما وجود العقلية الفاشية التي تريد الغاء الجميع، كما يقول البعض، فهو أدعى وأوجب لأن نرفض التدخلات ذات الطابع أو المصدر الطائفي لكي نربح جمهورنا العراقي من العرب السنة لنحاصر هذه العقيدة الفاشية لا أن نثير شكوكه وحساسيته بالاعلان عن تدخلات حزب الله التي نعرف مسبقا موقفه الرافض لها. فإذا كان جزءا كبيرا من هذا الجمهور- العربي السني العراقي- يرفض أو يتحفظ ويتحسس من مشاركة فصائل شيعية عراقية في القتال في مناطقه فكيف نريد منه ان يصفق أو يوافق على تدخل حزب الله اللبناني؟
نحن لا نتحدث عن مشاعرنا الشخصية ونوايانا الداخلية حين نتعرض وننتقد ما ورد في خطاب نصر الله بل عن تداعيات وأثار سياسية لخطاب علني من طرف محدد يثير حساسيات معينة في الداخل العراقي ويحسب صاحبه كأحد حلفاء إيران. أما القول أن خطاب نصر الله هو “فوق طائفي” أو غير طائفي، فهذا الكلام يصح ويصدر من وجهة نظر البعض ونظر المنتمين لجمهور مقاومة الغرب والصهيونية واليمين الفاشي العربي ولكنه قد لا يصدر من وجهات نظر جمهور واسع من شركائنا في الوطن كالعرب السنة و حتى الأكراد ففي نظر هؤلاء يبقى الخطاب خطابا لزعيم حزب وقوة مسلحة شيعية وغير عراقية مائة بالمائة. لتوضيح الصورة مثلا يمكن أن نتذكر الحساسية التي يثيرها تأييد الفصائل في الحشد الشعبي العراقي والحرس الثوري الايراني للمعارضة البحرينية المضطهدة من قبل حكم عميل و دموي، وقد تحفظ على هذا التأييد بعض المعارضين البحرينيين، في حين لا يثير أي تأييد لهذه المعارضة البحرينية من قوى و أحزاب يسارية عراقية أو عربية أي إشكال.. أليس من حق المعارضة البحرينية ان تقول للحشد العراقي والحرس الايراني، لا تخنقونا بقبلاتكم فهي تضر بنا؟ وعندها سيكون من حقنا كعراقيين مناهضين للطائفية والاحتلال ونظام حكم المحاصصة أن نكرر الرجاء: لا تخنقنا بخطاباتك يا سماحة السيد نصر الله!
*كاتب عراقي