صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

دعوة الحوثيين للتصالح مع الخرين

  منذ أن وصلوا إلى السلطة تحت مبرر ما اسموه ثورة 21 سبتمبر 2014م، وهم يتعاملون مع جميع أبناء هذا الوطن ممن هم غير منتسبين إليهم أو مؤيدين لهم بنوع من التعالي، والتصنيف والإقصاء، بل والاستعداء أحيانا كثيرة، هل تعلمون من هم؟ إنهم الحوثيون، وهنا لتتسع صدورهم لبعض النصائح التي رأيت من واجبي العلمي والوطني أن أزجيها إليهم، حتى لا يكون لهم أي مبرر، كأن يقولوا: أنهم لم يجدوا أحداً من أبناء هذا الوطن ممن قدم لهم النصح ووجههم إلى…

 

منذ أن وصلوا إلى السلطة تحت مبرر ما اسموه ثورة 21 سبتمبر 2014م، وهم يتعاملون مع جميع أبناء هذا الوطن ممن هم غير منتسبين إليهم أو مؤيدين لهم بنوع من التعالي، والتصنيف والإقصاء، بل والاستعداء أحيانا كثيرة، هل تعلمون من هم؟ إنهم الحوثيون، وهنا لتتسع صدورهم لبعض النصائح التي رأيت من واجبي العلمي والوطني أن أزجيها إليهم، حتى لا يكون لهم أي مبرر، كأن يقولوا: أنهم لم يجدوا أحداً من أبناء هذا الوطن ممن قدم لهم النصح ووجههم إلى الوجهة الصحيحة في تعاملهم مع أبناء هذا الوطن، الذي هو ملك للجميع وليس حكراً عليهم أو على أي طرف أو مكون سياسي أخر.

 

فمن خلال ما عايشناه وتابعناه من آليات تعاملهم مع الأخر – سياسي أم ايديولوجي أم مناطقي- نجد أنهم قد ارتكبوا أخطاء عديدة، قد تصل أحياناً إلى حد استعداء الأخر أو كيل التهم وتلفيق الاتهامات جزافاً لمجرد أنه ينتمي إلى حزب معين أو إلى فصيل محدد، أو فكر أخر يتعارض مع فكرهم وعقيدتهم المذهبية أو المناطقية، وهو ما لمسناه خلال الفترة الماضية منذ تاريخ دخولهم صنعاء واستيلاءهم على السلطة، وأياً كانت مبرراتهم أو شكوكهم في الأخرين فكنا نفضل أن لا يصل بهم الحد إلى  التعامل بعنف أحياناً واقصاء أو استعداء أحياناً أخرى، بالإضافة إلى نقص خبرتهم السياسية في التعامل مع المواقف والقضايا ذات الأبعاد السياسية والقبلية والدينية الخطيرة، وتغليب مصلحة جماعتهم على مصلحة الوطن بما يحتويه من تنوع سياسي وفكري ومذهبية ومناطقي، فتجدهم يتعاملون مع الجميع إنطلاقاً من نظرية المؤامرة، فبمجرد أن تختلف مع أحدهم – ممن لا يمتلك الفكر السوي أو القدرة على تحليل المواقف والرؤى الأخرى التي تختلف معهم – تجده يطلق عليك مسميات هي بمثابة تُهم قد تؤخذ جراءها إلى غياهيب السجون ولا يعلم مصيرك أحد،، وهذا من أكبر الأخطاء التي وقع فيها أفراد الجماعة خلال الفترة السابقة للعدوان.

 

أما بعد العدوان فالأمر قد استفحل بل واختلف كلياً عما بدأوه، فتجدهم يتعاملون مع الأخرين بنوع من الشك واساءة الظن قبل إحسان الظن، وما أسهل أن يطلق على أي شخص اختلف معهم تهمة الخيانة أو الارتزاق وما أكثر الحالات التي حدثت ومورست فيها تلك الاتهامات، تحت مبرر أنهم –أنهم في حالة حرب ومواجهة عدوان- وكأن بقية أبناء الشعب اليمني يعيشون في رخاء وأمن واستقرار لا يعكر صفوهما سوى أولئك الذين يلبسونهم تلك التهم، وهنا يجب على الجماعة التريث وعدم اطلاق التهم والأحكام المسبقة والجائرة على الأخرين، وعدم استعداء الناس جميعا ممن هم خارج إطار الجماعة، وإلا فلا فرق بينهم وبين حزب الإصلاح الاخواني الفكر والتوجه، الذي كان يتعامل بنفس الآلية القائمة على التصنيف والإقصاء، وهنا أذكر بأحد المقالات التي نشرتها والتي قلت فيها: أن الجماعات المؤدلجة والمتدينة لا تستطيع الحكم، إنطلاقاً من عدم تقبلها للأخر أياً كان نوعه أو توجهه الفكري أو السياسي، وهم بذلك يعملون بمبدأ الرئيس الأمريكي الأسبق (جورج بوش الإبن) (من ليس معي فهو ضدي) وهو مبدأ اقصائي وعدائي في المقام الأول.

 

وهناك العديد من الأخطاء التي يمارسها أعضاء الجماعة أو من تحوث من أبناء المحافظات المختلفة، من الذين لا هم لهم سوى الكسب السريع وتصفية حساباتهم الشخصية مع أعدائهم أو من يختلفون معهم، تحت ذريعة أنهم مناهضين للجماعة، بل إن الأمر تعدى ذلك – في بعض الحالات – إلى  اتهامهم بالخيانة أو الارتزاق، وهي أفكار غير سليمة، وقد تعود على الجماعة بأضرار ومساوئ تصب في خانة استفزازهم للأخرين واستعدائهم وبالنتيجة النهائية عدم تقبل الناس لهم، وهو ما لاحظناه في كثير من المواقف والأحداث التي حدثت خلال الفترة الماضية خاصة منذ بدء العدوان السعودي الغاشم.

 

وكل ما ذكرناه وما لم نذكره من أخطاء وقع فيها أعضاء ومنتسبي جماعة الحوثي خلال السنتين الماضيتين يدفعنا إلى تقديم النصح لهم والتنبيه من مغبة الاستمرار في تلك الأخطاء لأنها ستترك آثارها السلبية في نفوس الناس، وتدخلهم في مرحلة العداء مع الجميع، وهو ما نحذر منه، فبعد انتهاء العدوان ستكون ردود أفعال من ظُلموا أو اُتهموا من قبل الحوثيين عنيفة بل ومساوية لحجم الظلم والغبن الذي تعرضوا له أولئك الناس من، وفي مقدمة النصائح التي نقدمها لجماعة الحوثي ما يأتي:

 

أولا: اقبلوا الناس جميعاً وانفتحوا على جميع ألوان الطيف السياسي والمذهبي والمناطقي، دون استثناء أو تصنيف أو اقصاء أو استعداء، هو ما سيفتح لكم أفاق واسعة من التعامل مع جميع أبناء الشعب اليمني بنفس المقاييس وعدم التفرقة بينهم على أساس المذهب أو انتماءهم لفئة دون أخرى أو حزب دون أخر.

 

ثانيا: لا تتعاملوا مع أبناء هذا الوطن بنوع من التعالي والغرور والنظر إليهم بدونية، أو أنكم فئة أفضل من بقية أبناء الشعب، أو أنكم من بيده السلطة، وأن على الجميع السمع والطاعة، كما قالها أحد قياداتهم في موقف محدد بأنه ولي الأمر وعلى الناس السمع والطاعة، ولو كانت بنبرة دعابة لكنها تعبر عن لسان حالهم.

 

ثالثا: لا تضيقوا على المواطن في معيشته ومحاربته في مصدر رزقه، ولا تدخلوا الناس في معمعة متابعة أسعار الدولار أو النفط أو الغاز أو الماء أو الكهرباء أو السلع اليومية التي لا تستمر الحياة إلا بها، وأوجدوا الحلو الجذرية والناجعة وعدم التسويف والتلاعب بتلك السلع والخدمات لأنها قد تكون مدخلاً لأمور أخرى قد لا تحمد عقباها.

 

رابعا: لا تتذرعوا بأن البلاد في حالة حرب، فهذا المبرر مردود عليكم، فما دمتم أنتم من يمسك بالسلطة في الدولة فأنتم مسؤولون عن أية أوجه قصور أو اختلالات أياً كانت مبرراتكم التي قد تسوقونها لتبرئة ساحتكم، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، بل إن حالة الحرب تحتم عليكم سد تلك الفجوات والتعامل بحزم مع التجار الذين يحتكرون المواد الغذائية، والمنتفعين من ادخال البلاد في أزمات معيشية واقتصادية لا تعود على الوطن إلا بالدمار، فحذاري من اعادة ترديد هذه الاسطوانة المشروخة التي مفادها أننا في حالة حرب، فلم يعد الناس يصدقون ذلك.

 

خامسا: الابتعاد عن التشكيك في أي شخص أو أي طرف أو أي مواطن، تحت مبررات أنكم في مواجهة عدوان أو حالة حرب، فالناس جميعاً في حالة حرب ومواجهة للعدوان، ومقاومة لهذا العدوان الغاشم، لكن أن يتم التعامل مع الجميع بنظرية الشك والريبة ونظرية المؤامرة، فهذا أمر غير مقبول، وإن كان البعض قد تقبله خلال هذه الفترة لكن ما أؤكد عليه أنهم وبقية أبناء الشعب لن يقبلوا تلك المبررات أو الاليات التي تتعاملون من خلالها مع ابناء هذا الشعب الذي إن ثار فسيجتث الجميع، ويهب هبة رجل واحد.

 

سادسا: احترام حقوق الناس وعدم انتهاكها تحت مبررات أو تقارير خاطئة وكيدية من عناصركم، لا أساس له من الصحة، وهو ما سيدخلكم في حالة عداء مع أهالي وذوي أولئك الأشخاص الذين تم حبسهم أو اقصائهم من قبلكم، فعليكم التحري من صدق البلاغات أو التقارير وعدم التهاون في حقوق الناس، لأنها ستكون القاصمة لكم فالظلم ظلمات، ولا يفلح الظالمون، وهو ما نتمنى أن لا تصلوا إليه في تعاملكم مع أبناء هذا الشعب.

 

سابعا: لا تستفزوا الناس في أماكن أعمالهم، أو تجارتهم أو مشاريعهم، أو أية أماكن تكونوا متواجدين فيها عبر ممثليكم، الذين يقومون ببعض التصرفات التي لا يقبلها عقل ولا منطق ولا قانون ولا عُرف ولا أي منطق سوى منطق الغواغائية والعشوائية التي يمارسها ممثليكم في بعض وزارات ومؤسسات الدولة والقطاعين العام والخاص، وتعاملوا بنوع من احترام الأخرين وعدم التعالي علي أي إنسان مهما كانت مكنته أو وضعه.

 

ثامنا: لا تراهنوا على صمود الشعب لأن الشعب قد انهك وقد وصل السيل الزبا، ولا طاقة لهم لمواجهة العدوان المتزامن مع أخطائكم التي في أغلب الأوقات قد أشد وطأ على الناس من العدوان، لذا لابد أن تعيدوا تقييم أدائكم السياسي وآليات التعامل مع جميع المواقف والأحداث، والأشخاص والأحزاب، لأنهم وانتم يمنيون وتنتمون إلى وطن واحد هو اليمن، ولا يمكنكم العيش في معزل عن أبناء هذا الشعب أو أن تأتوا بشعب أخر.

 

تاسعا: لا تختزلوا الوطن فيكم أو في رموزكم أو قياداتكم، فالوطن أكبر من الجميع، ولا يحق لأي كائن من كان أن يقزم هذا الوطن أو يختزله أو يتعامل معه كملكية خاصة أو قطاع من قطاعات شركته، فالوطن أكبر منا جميعاً وهو ما يجب أن تعوه وتستوعبونه.

 

عاشرا: أبدأوا في تشكيل حزب سياسي يمكنكم من خلاله الدخول في العملية السياسية بشكل قانوني، والمشاركة في حكم البلاد تحت مظلة الديمقراطية والتعددية الحزبية التي أصبحتم تتهمون الأخرين ممن ينتسبون إلى أحزاب أخرى بأنهم خونة ومرتزقة – لمجرد أنهم ينتمون إلى هذا الحزب أو ذاك – فلن يقبل الشعب منطق القوة الذي تحاولون من خلاله التعامل مع جميع أبناء الشعب اليمني، واستثمروا أن الناس بدأوا يتقبلونكم كمكون وطني يجب عليه احترام الأخرين واحترام قواعد اللعبة السياسية والبدء بداية صحيحة ومنطقية من خلال انشاء حزب سياسي يمكنكم من خلاله الوصول إلى السلطة عبر االانتخابات، وليس عبر قوة السلاح.

 

وحفظ الله اليمن من كل شر ومكروه،،،

 

د/ مجاهد صالح الشعبي: أستاذ العلوم السياسية – جامعة صنعاء

 

إقرأ أيضا