صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

دم رخيص

  يعاني الصحفيون في كل مكان من هذه المهنة المتعبة بسبب توقهم للحصول على الخبر او المعلومة وايصالها لمتابعيهم

 

يعاني الصحفيون في كل مكان من هذه المهنة المتعبة بسبب توقهم للحصول على الخبر او المعلومة وايصالها لمتابعيهم. العديد منهم قدم حياته ثمنا لهذا العمل العظيم ومنهم يعود محملا بالجراح شانه شان المحاربين في المعارك. ويستغل بعض المسؤولين واصحاب السلطة اليوم الموقف الذي يقع فيه الصحفي قتيلا او جريحا ويظهر على وسائل الاعلام بصورة الاخ المساند لاخيه في اوقات الشدة والعسر. والامر لا يخلو من ادلجة وتزييف للواقع عند من يقرأ صورة المسؤول وهو يزور الصحفي الجريح قراءة دقيقة. فلو كان السيد المسؤول نقي السريرة ولا يهدف من وراء زيارته الا (مرضاة الله ورسوله) عملا بالاحاديث المروية في عيادة المرضى, لما اصطحب معه جيشا من الاعلاميين لتصويره وهو يقبل او يمسح على رأس الصحفي او يجلس مجلس عزاء أحد المغدورين في الفضاء الاعلامي.

 

شاهدت قبل ايام تقريرا مصورا لوزيرة الصحة وهي تزور الصحفية الجزائرية سميرة مواقي التي اصيبت اثناء تغطيتها للمعارك الدائرة في الموصل. وقبل ذلك كانت الوزيرة قد ارسلت وفدا من حاشيتها للقيام بنفس المهمة، فضلا عن قنوات (دينية) غطت هذه الزيارات، وقامت نقابة الصحفيين بتسجيل عضويتها في النقابة العراقية وحصولها على كافة الامتيازات. وللتو حضر في ذاكرتي عشرات الصحفيين من العراقيين ابناء الخايبة الذين رمت بهم مهنتهم او حبهم لبلدهم الى اتون المعركة ولم تكلف السيدة الوزيرة نفسها بزيارة احدهم, لا لشي الا لانهم عراقيون. والعراقي يا سادة هو اليوم ارخص دما وابخس قيمة عند هذه الشرذمة من السياسيين الذين ابتلينا بهم ولطخنا اصابعنا لاختيارهم.

 

الصحفية الجزائرية ستعود لبلدها لتقص لاسرتها ولزملائها ان (العراق بخير) وهي كلمة يرددها المسؤولون كلما شاهدوا حفلا غنائيا او جمهورا حاشدا لكرة القدم او مؤتمرا علميا خائبا، وبالطبع ستقص الصحفية كيف ان وزيرة الصحة بشحمها ولحمها المتكدس وراء جبتها السوداء الشاحبة كوجهها, زارتها واطمأنت لسلامتها, وقد تكون واستها بالقول: فداك صحفيوا العراق. ولماذا لا يفديها العراقيون ما دمت انت وكابينة الفساد في الحكومة والبرلمان تستحوذون على السلطة التي تمسكين بها بيديك واسنانك كما اتضح اخيرا في ما يسمى بـ”اصلاحات العبادي” عندما رفضت تقديم الاستقالة، وكأن الكرسي وريث عشيرتك.

 

قبل سنوات قتل صحفي بيد احد حراس رئيس الجمهورية, واستغل رئيس الحكومة وقتها لاثارة الموضوع ضد الكرد وحصلت زوبعة اعلامية استمرت لاشهر عدة. في الواقع لم يكن الصحفي غاليا جدا على رئيس الحكومة بحيث كلف نفسه للقدوم الى مكان الحادث, بل ان الحادث تم استغلاله سياسيا بسبب النزاع بين الحوكم والاقليم. واليوم بل وكل يوم يتم الترويج الاعلامي لحادثة مألوفة وتهويلها لاجل الكسب السياسي.

 

زيارة الوزيرة للصحفية الجزائرية يكمن خلفها بؤس قيمي لكنه متخفي. فهي تريد ان تقول للعرب اننا كرماء والعراقيون اهل نخوة ومروءة وان دمنا واحد وغير ذلك من الشفرات الخطابية المنافقة والمتسترة من وراء الزيارة. وعند تصوير حديث الوزيرة ومشاهدة العرب لذلك سيصدح ابناء عدنان وقحطان بملئ افواههم : ايه ايها العراقيون…ليتنا كنا معكم. وهم لا يعلمون ان لو كان المصاب صحفي عراقي لما انتبه اليه احد, رغم انه المتفضل عليهم بنقل اخبارهم ..لعنة الله عليهم.

 

حقيقة الامر ان حياة الصحفي سواء كان عربيا ام عراقيا لا تهم السياسي بشيء, غير ان الاول يمكن ان يكون صيدا ثمينا لاجل الدعاية الانتخابية داخل العراق وخارجه, اما الثاني فما عليه سوى ان ينتظر ايام الشفاء ليغادر المشفى ويحمد الله لانه لم يشم قذارة السياسي.

 

إقرأ أيضا